عدسة خليل | خاص عين المدينة
محلجة الأقطان...
مشروعٌ تنمويٌّ قبل أن يكون اقتصادياً
في إحدى قرى ريف دير الزور أقام أبو هاني مشروعاً اقتصادياً لافتاً... محلجةٌ لحلج القطن. "عين المدينة" التقت به ليتحدث عن هذا المشروع، فقال:
عندمـــا اشتـــعلت الحــرب في مدينة دير الزور توقفت حكومة النظام عن شراء القطن من المزارعين. ونتيجةً لذلك، ولظروفٍ أخرى، توقف الكثير من الفلاحين عن زراعة القطن، لذلك قرّرتُ إقامة محلجةٍ أهليةٍ لاستقبال القطن من المزارعين وحلجه. فقمتُ حينها بشراء الآلات اللازمة، وبعد ذلك أعلمتُ المزارعين في المنطقة بوجود محلجةٍ أهليةٍ تضمن شراء المحصول من المزارع بأسعارٍ جيدة. ومنذ ذلك الحين ونحن نقوم بحلج القطن وتوريده للتجار في منطقة الشيخ نجار في حلب.
ويرجع المهندس الزراعي كمال المحمّد تراجع الزراعة لأسبابٍ كثيرة؛ كارتفاع أسعار السماد ستة أضعاف عن سعرها السابق، وانعدام وجود المبيدات الزراعية، وارتفاع أسعار الوقود، وفقدان البذور المحسّنة وخاصة بذر القطن، إذ يقوم المزارعون بإعادة استخدام البذور المدوّرة بعد حلج القطن؛ كل هذه الأسباب دفعت بالفلاح للتوقف عن زراعة محصول القطن، بالإضافــــــة إلى خروج مســـــاحةٍ واسعةٍ جداً تقدّر بألفي هكتارٍ من الأراضي الزراعية من الاستثمار، وذلك لوقوعها في مرمى قذائف المدفعية والراجمات المتمركزة في مطار دير الزور الحربي، كما هو الحال في كلٍّ من المريعية والبوعمر وموحسن القريبة من هذا المطار.
أبو محمد فلاحٌ ترك الزراعة ليعمل في تكرير النفط، ثم عاد إلى الزراعة منذ مدّة. يروي قصته فيقول: في السابق كانت الحكومة تضمن شراء محصول القطن بعد جنيه، كما أنها كانت تقوم بتأمين السماد بسعر خمسين ليرة. ولكن بعد توقف مديريات الدولة عن العمل، وتراجع الزراعة؛ عرضت الحكومة شراء المحصول بمئة ليرةٍ سوريةٍ لكل كغ من القطن، بشرط نقله إلى محافظة الحسكة أو محافظة حماة، وفي ذلك خطورةٌ كبيرةٌ، فالطرقات غير آمنة، إضافةً إلى احتمال انهيار النظام، وبالتالي ضياع ثمن المحصول كله، إضافةً إلى كلفة نقل المحصول، وفقدان السماد من الأسواق وارتفاع أسعاره إن توفر.. هذه الأمور جعلتني أترك الزراعة لأعمل في تكرير النفط لتأمين متطلبات المعيشة لعائلتي. لكن بعد معرفتي بوجود محلجةٍ أهليةٍ تضمن شراء المحصول، تركت التكرير وعدت لزراعة أرضي.
وبالــــــعودة إلى المحلــــجة فإنها، وكما يقول أبو هاني، تنتج ما يقارب خمسين طناً من القطن المحلوج، كما ينتج عن عملية الحلج بذر القطن الذي يستخدم لصناعة زيت القطن، وينتج أيضاً علف الحيوانات. ولكن للأسف تهدر كميةٌ كبيرةٌ من الزيوت بسبب عدم وجود معملٍ لصناعة زيت القطن. وتقوم المحلجة بتأمين فرص عملٍ لأكثر من ثمانين شخصاً. ويضيف أبو هاني أن مشروع المحلجة الذي أسسه ذو أهدافٍ تنمويةٍ أكثر منها ربحية، فهو يشتري القطن من المزارعين بثمانين ليرة سورية لكل كغ، بينما تقوم محالج النظام في المحافظات الأخرى بشرائه بسعر خمسةٍ وخمسين ليرة، كما أنه يقوم ببيع الكغ من العلف الناتج من عملية الحلج بخمسةٍ وعشرين ليرة. وعن دور المحلجة في إصلاح القطاع الزراعي يقول أبو هاني: تساعد المحلجة مزارعي القطن، لكن ماذا عن المحاصيل الأخرى، كالقمح والشعير؟ إذ إن الكثير من الفلاحين تركوا الزراعة واشتغلوا بتكرير النفط أو بأعمالٍ أخرى لأن المحاصيل عادت على أصحابها بالخسارة. ولكي يتحسن الوضع الزراعيّ على الحكومة المؤقتة أو الائتلاف أن يقوما بدعم الزراعة وتأمين مستلزمات الفلاح لدورة المحصول بالكامل، من بذارٍ وسمادٍ ووقود، وضمان شراء المحصول. عندها سيتحسّن الوضع الزراعيّ، أما إذا استمرّ الحال على ما هو عليه فسيتدهور القطاع الزراعيّ أكثر مما هو عليه الآن.