ماذا فعل التحالف الدوليّ في دير الزور؟ قتل واحداً وعشرين مدنياً، وجرح خمسةً وعشرين آخرين، ولم يعتذر

دير الزور | حراقة نفط قبل وبعد غارات التخالف

بحسب مصادر خاصّةٍ ودقيقة، قُتل في يوم 17/10/2014 خمسة أشخاصٍ بصواريخ طائرات التحالف بالقرب من معمل غاز كونيكو المجاور لقرية خشام، وجُرح أحد عشر شخصاً آخر. وفي ذات اليوم قُتل شخصٌ آخر إثر استهداف ذات الطائرات لتجمعٍ لمصافي النفط البدائية قرب بلدة الجرذي، وجرح اثنان آخران. وفي يوم 7/11/2014 قُتل ثلاثة عشر شخصاً بالطريقة ذاتها، وجُرح عشرةٌ آخرون، في تجمعٍ للصهاريج قرب أحد آبار حقل التنك النفطيّ. وقعت الحوادث الثلاث في الريف الشرقيّ لمحافظة دير الزور. وفي ريفها الغربيّ قُتل في يوم 8/11/2014 شخصان، وجُرح اثنان آخران، قرب أحد الآبار التابعة لحقل الخراطة النفطي. لتكون الحصيلة النهائية لعدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا، بعد 125 غارةً جوّيةً مسجّلةً لطائرات التحالف على مواقع في محافظة دير الزور، منذ بدء الهجمات الجوية وحتى يوم 15/11/2014؛ هي 21 قتيلاً. كلّ هؤلاء من العاملين في مهنٍ تتعلق بالنفط الخام وتكريره. وكلهم كذلك، ولا شك، كانوا يحبّون الحياة. وكان يمكن لطياري التحالف الدوليّ تجنب قتلهم، لكن هذا لم يحدث. فعلى ما يبدو أن أرواح السوريين، التي أزهق منها بشار الأسد ثلاث مئة ألفٍ، لا تستحق مزيداً من الحذر والتمييز، ولا تستحق كذلك حتى الاعتذار من قبل الناطقين الرسميين، ولا السؤال عنهم من قبل الصحفيين والصحفيات المتلهفين لنقل أخبار حرب داعش. وداعش، هي الأخرى أيضاً، لم تلقٍ لمقتل هؤلاء أيّ اهتمام، ولم تستثمر مقتلهم حتى في سبيل الدعاية والتحريض في حربها الإعلامية ضد ما تسمّيها بـ"الحملة الصليبية". ومن جانبها لم تستنكر مؤسستا المعارضة الرئيسيتان، الائتلاف والحكومة المؤقتة، حوادث مقتل المدنيين في دير الزور. وهو استنكارٌ عديم الأهمية حتماً، لكنه شيءٌ ما، ولو لفظيٌّ، يمكن لهما أن تقوما به على الأقلّ.
لكلّ قتيــــلٍ أو جريـــــحٍ عائلـــــةٌ وأقارب وأصدقاء. ولكلٍّ من هؤلاء، ولمن تعاطف مع الضحايا، موقفٌ سيميل إلى داعش بالتأكيد. فأسباب الميل إليها تزداد لدى الرأي العام رغم ممارساتها القمعية بحق السكان؛ إذ لم تقلّص الغارات الجوية للتحالف من حماسة بشار الأسد -عدوّهم الأصليّ- في ممارســة هواياتــه المفضلة بقتلهـم، ولــــم تُنقص قدرته على ذلك ولم تُجب الدولة قائدة التحالف الدوليّ على السؤال الأهمّ: متى الخلاص؟ بل لم تفكر حتى بصياغة دعايةٍ تستقطبهم إلى جانب هذا التحالف. "لقد استكثر علينا العالم حتى الوعود الكاذبة، فلا يأبه بنا أحد"، يقول الناس في دير الزور المدينة وفي الميادين والبوكمال والقورية وموحسن والشحيل والريف الغربيّ، كما يقولون أشياء مشابهةً في كلّ المحافظات السورية التي قاست الموت والجوع والمرض والتشرّد.
إن الرهان على نفور السوريين من مقاتلي داعش هو رهانٌ خاطئ، إن تُركوا لوحدهم في واقعٍ كارثيٍّ مثل واقعهم، أو إن بقي بشار الأسد وأعيد إنتاجه. فقد ينقلب هذا النفور إلى تعايشٍ مع داعش أولاً، ثم إلى قناعةٍ جزئيةٍ أو كاملةٍ بها، ثم إلى ولاء. وحينذاك لن يتذكر السوريون -أو أكثريتهم- كلمات الحرية والكرامة والمساواة التي أطلقوها مطلع ثورتهم، ولن يكون للعقل محلٌّ في الاستعمال العام.
في يومٍ من أيام عام 2007، زار بشار الأسد دير الزور، فخرج عشرات الآلاف من أهلها لسماع كلمته التي ألقاها يومذاك من شرفة دار المعلمين، وهتفوا له، وتزاحموا للاقتـــــراب منه، وبملء ارادتهم. ليس لأنهــــم يحبّونه بل لأنه الخيار الوحــــــيد، ولا بــــدّ للكائن البشـــــريّ من أن يرضى بخياره الوحيد، ولو بعد سخطٍ عليه. ويُخشى أن يأتي يومٌ مثله إن بقي الحال على ما هو عليه الآن، يخرج الناس فيه احتفالاً بالبغدادي، لا لأنهم يحبونه بل لأنه الخيار الوحيد.

قتلت طائرات التحالف الدوليّ، منذ بدء هجماتها على مواقع داعش، 21 مدنياً في محافظة دير الزور. وقتل بشار الأسد خلال المدّة نفسها 19 مدنياً.