لم يكن موت مصطفى طلاس خبراً عادياً أو تافهاً بالنسبة للسوريين، بخلاف الرجل نفسه. فقد أثار كماً من اللغط لا يستحقه وزير الدفاع المزمن لنظام الأسد، المغرم بالنساء والأزهار وفن الطبخ والشعر العربي الكلاسيكي.

لعل وضعه –وأسرته- الإشكالي في سنوات الثورة هو ما أضفى على موته «السريري» هذه الأهمية. فمعروف أن نجلاه، فراس ومناف، قد انشقا عن النظام، في مرحلة معينة من الثورة، وباتا ناشطين، كل بطريقته، في فعالياتها، شأنهما في ذلك شأن عديد من رجال السلطة ممن انشقوا قبلهما وبعدهما، وأبرزهم رياض حجاب الذي يرأس الآن أهم أطر المعارضة الرسمية للنظام «الهيئة العليا للمفاوضات».

لم «يحظ» رجل سلطة في تاريخ سوريا الحديث بكم الشتائم والإذلال الذي تعرض له «أبو فراس»، على مواقع التواصل الاجتماعي، في أعقاب إعلان وفاته، الأمر الذي شمل، بطبيعة الحال، ولديه وكل من واساهما بموت أبيهما. فقد حوكم الرجل، بعد موته، بجميع المعاني التي يمكن أن تخطر على بال: قانونياً وسياسياً وأخلاقياً، وحكم عليه بالإدانة المشددة في قبره.

الواقع أن النظام هو من حوكم في شخص الميت، بحكم كون الأخير من أركانه الثابتة على مدى أكثر من ثلاثة عقود، على رغم الإجماع بأنه كان شخصاً هامشياً لا يملك سلطة القرار، أو ربما بسبب ذلك بالنسبة للبعض الذي اعتبر أنه ساهم في تمويه طائفية النظام. غير أن هامشيته لم تغفر له كما غفرت لغيره من رجال النظام ممن انشقوا عنه إبان الثورة، بسبب مسؤوليته المباشرة عن إعدامات سجن تدمر التي اعترف بها في إحدى مقابلاته، والفساد الاستثنائي الذي أتيح له من موقعه كوزير دفاع مقرب من حافظ الأسد، إضافة إلى أنه لم يعلن انشقاقه قط عن النظام قبل وفاته، مما كان يمكن أن يخفف من الاحتقان العام ضده.

للمقارنة يمكن أن نذكر حالة فاروق الشرع المنقطعة أخباره منذ سنوات: يتقاطع هذا مع العماد طلاس في كثير من الأمور، باستثناء التفاهة الملتصقة بطلاس. وهو مغيب حالياً، وما زال مصيره مفتوحاً. أظهر شيئاً من التمايز برأيه في طريقة مواجهة النظام الدموية للثورة، لكنه لم يهرب أو ينشق، أو ربما تعذر عليه القيام بذلك. لكن الثابت، بصرف النظر عما يمكن أن ينتهي إليه لاحقاً، هو أنه من الوجوه المقبولة نسبياً في النظام. وذلك بخلاف عبد الحليم خدام، مثلاً، على رغم انشقاقه المبكر عن النظام، أيام لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وذلك بسبب فساده وارتباط اسمه بصفقة دفن النفايات النووية في الصحراء السورية.

القصد من هذه المقارنات أن موقف الرأي العام الثوري من رموز النظام الساقط متفاوت يقبل التمايزات ويخضع لاعتبارات متنوعة سياسية وأخلاقية وغيرها، سواء تعلق الأمر بشخصية منشقة أو لا، وبصرف النظر عن هويته الطائفية، على رغم دور العامل الطائفي والوعي الطائفي الذي لا يستهان به في الوقائع السورية وانعكاساتها في تشكيل الرأي العام. إنه لخبر جيد أن الانتماء السني للعماد طلاس لم يمنحه أسباباً مخففة في الحكم عليه، شأنه في ذلك شأن خدام مثلاً. ولا غفر انشقاق هذا الأخير له مقابل عدم انشقاق طلاس بصورة معلنة.

جوهر الحملة على طلاس بمناسبة وفاته، قائمة، في رأيي، على أساس حاجة السوريين إلى العدالة. العدالة التي ضن بها العالم عليهم طوال السنوات السبع المنقضية من المأساة السورية، ولا يبدو، إلى الآن، أن السماء أكثر سخاء معهم منه. والحال أن العدالة، أو ما يسمى بالعدالة الانتقالية، هي شرط شارط ليتعافى الجسد السوري المثخن بالجراح، إن كان له حظ بعد في التعافي.