في 24 نيسان 2013 سقطت مئذنة الجامع الأمويّ بحلب أمام مرأى الجميع. كثرت الاتهامات والتقارير والأقاويل حول من دمّرها، ولكن النتيجة واحدة، فالمئذنة أصبحت ركاماً. وإن كنا لم نستطع فعل شيءٍ أمام دمارها فيجب علينا، على الأقلّ، أن نعمل للمحافظة على هذا الركام الذي نستطيع من خلاله إعادة بنائها وترميمها.
يعود بناء هذه المئذنة إلى عام 1090 ميلادي، في العهد السلجوقيّ. وهي مربعة المسقط. ويبلغ ارتفاعها 45 متراً، وطول ضلعها 4،95 متراً. وتقع في الجهة الشمالية للجامع. وتحوي عناصر معمارية مثل المقرنصات، كما تحوي زخارف كالنقوش البارزة التي تعود إلى عهد المماليك وقيامهم بإضافاتٍ إلى عمارة الجامع. وقد توّجت المئذنة بقمّةٍ لها شرفة. تعرّض الجامع، ومن ضمنه المئذنة، للعديد من الحرائق والحروب، كما حصل عندما قام البيزنطيون بحرقه وقام المغول بهدمه أثناء دخولهم مدينة حلب. وقد قام السلاطين، خلال عهود السلاجقة والمماليك والعثمانيين، بإعادة بناء أجزاءٍ منه وترميمه وإضافة بعض العناصر إليه. وقد كان آخر ترميمٍ للجامع عام 2003، عندما تمّ ترميم صحن الجامع والمئذنة نفسها، التي تعدّ فريدةً من نوعها في عموم العمارة الإسلامية، وذهب أحد الآثاريين الألمان إلى وصف أسلوب عمارتها بأنه "نتاج حضارة البحر المتوسط".
ويرى الكــثير من الباحــثين والمختصّين بالآثار أنه يمكن إعادة بناء المئذنة وترميمها، بالرغم من تهدّمها بشكلٍ كامل، ولكن يجب أن نحافظ على أحجارها المتهدمة، التي ما زالت حيث وقعت، نظراً لوجود قنّاصٍ تابعٍ للنظام السوريّ يطلّ عليها. وبحسب رأي هؤلاء الباحثين يجب أن تبقى الأحجار في مكانها ولا يتمّ نقلها إلى أيّ مكانٍ آخر، وذلك خوفاً من تكسيرها أثناء التحريك. وإذا كان بالإمكان تغطيتها بأيّ شيء، سواءً بغطاءٍ بلاستيكيٍّ، أو طمرها بالتراب، فإن ذلك سيساعد على الحفاظ على الحجارة من التلف بفعل الأمطار والحرارة.
وللحديث عن عملية الترميم وكيف ستكون قال باحثٌ سوريٌّ في الآثار: يمكن أن يكون الترميم بنفس الحجارة الموجودة، والسبب أن جميع حجارة المئذنة موثقةٌ ومرسومةٌ ومصوّرةٌ في مكانها قبل الهدم، لدى الجهات الدارسة والمعنية بحماية التراث سواءً داخل سورية أم خارجها. ولو بقيت الحجارة ستتمّ عملية فرزها حجرةً حجرة، وكلّ حجرةٍ تأخذ رقماً يخصّص لها، وبعدها يتمّ وضع جميع الحجارة بجانب بعضها، ومن ثمّ يتمّ البحث عن مكان كلّ حجرةٍ حسب الصور والمخططات. وبحسب اعتقاد هذا الباحث وخبرته في هذا المجال فإنه يمكن إعادة البناء بنفس الشكل الذي كانت المئذنة عليه. وقد أشار إلى أن هناك أمثلةً عديدةً في العالم، كما هو الحال في البوسنة والهرسك، حيث تمّت إعادة بناء العديد من الأبنية الأثرية التي تهدّمت.
وطريقة الترميم هذه واحــدةٌ من أهمّ الطرق التي ستعتمد في الحالات المشابهة للمئذنة، مع وجود الركام المتهدم أو أجزاء من الأبنــــية الأثرية المتهدّمة، ومع وجود مخططاتٍ وصورٍ لهذه الأبنية.
وهناك طرقٌ أخرى يتمّ اختيارها بحسب الحالة. ومن هنا نوجّه نداءً إلى كافة الأفراد والجهات المعنية وغير المعنية بالآثار، بالمحافظة على الركام أو أجزاءٍ منه في أيّ بناءٍ أثريٍّ تعرّض للهدم بشكلٍ كاملٍ أو فقد أجزاء منه، وذلك من أجل استعادة شيءٍ من شكله وحجمه ومضمونه وقيمته الأثرية أثناء عمليات إعادة البناء والترميم، التي ستتمّ فيما بعد. ولا ننسى أن هناك العديد من الأشخاص الانتهازيين المهتمين ببيع هذه البقايا إلى الدول المجاورة، كما حدث مع البلاط الحجريّ لشوارع حلب القديمة، إذ بيع في لبنان.