بجوار التجمّع الكبير لحرّاقات النفط الخام، جنوب بلدتي سعلو والزباري، ظهر مخيمٌ للنازحين، تجاوز عدد المقيمين فيه (500) شخصٍ يسكنون في مئة خيمة، أو في مئة شادرٍ يشبه الخيمة، تحوّل لونه بفعل الدخان إلى الأسود. كل شيءٍ في هذا المخيم ملوّثٌ وتفوح منه رائحة النفط الخام المحروق... أواني الطبخ، المخدات، الأغطية، وحتى عيون الأطفال لوّثت بالدخان، وكذلك جلود البقرات القليلة، وصوف الخراف التي تتسكع طوال النهار بين الخيام والحرّاقات.
جاء معظم هؤلاء الناس سيئي الحظ من قرية المريعية، المجاورة لمطار دير الزور العسكري، والتي نالت القسط الأكبر من وجبات القصف اليومية والمستمرّة بأنواع الأسلحة المختلفة منذ أكثر من عامٍ ونصف. فقد أجبروا على الخروج من بيوتهم إلى المدارس في قريتي سعلو والزباري أولاً، ثم تركوها بعد أن بدأ العام الدراسي الجديد، وانتقلوا إلى أطراف البادية بجوار مجمّع النفط العشوائي الذي يخلّف غمامةً سوداء ضخمة، تغطي الشمس في معظم ساعات النهار، مع هواءٍ دخانيٍّ يجعل كل شيءٍ غير مناسبٍ للحياة الآدمية.
قد يكون لاختيارهم جوار الحراقات سببٌ منطقيٌّ جداً، وهو فرص العمل المتوافرة هناك، إذ أجبر الرجال وكثيرٌ من الأطفال على العمل بمهنة التكرير، يدفع إلى ذلك الإهمال الكبير الذي لاقاه هؤلاء النازحون من جميع الهيئات والمنظمات الإغاثية، وكذلك من مجلس محافظة دير الزور المحليّ، بحسب أقوالهم وأقوال بعض الناشطين.
يقول أبو محمد (50 عاماً)، وهو معتقلٌ سابق، أنه وجد عائلته في مدرسةٍ بعد خروجه من السجن، ثم انتقل ليسكن مع أطفاله العشرة في هذا المخيم. ويتساءل كيف يطعم أولاده وهو لا يستطيع أن يعود إلى أرضه ليزرعها ولا يتقن مهنةً أخرى.
ولا يمكن لصهريج المياه الوحيد، الذي يملأ بعض البراميل والخزانات الصغيرة في المخيم، أن يكون مصدراً للمياه النظيفة، وخاصة في هذا الجوّ المأساويّ من التلوث.