تكية الراوي
قبل أيامٍ، أجهز تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على ما تبقّى من تكية "الراوي" في مدينة دير الزور، بتدميرها بالمتفجرات. ليمحو بذلك بناءً، يتجاوز عمره 130 عاماً، عن الوجود.
بعد العصر، في الأوقات الكسولة الذي تمرّ بها المدن الصغيرة أيام الجمع، كان بعض المتصوّفة يجتمعون في التكية للنشيد ومدح الرسول، مع ما يرافق ذلك من حركاتٍ تشبه الرقص، تسمّى عندهم بالحضرة، في مشهدٍ نشطٍ ومريحٍ كان يمكن للعابر في الشارع العام بدير الزور أن يراه إن توقف عند باب تكية الراوي، وهي مكان احتفالٍ بالأعياد والمناسبات الدينية.
إذ جاء التشكّل الحديث لدير الزور في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما توسّعت خارج موقعها القديم المعروف بالدير العتيق، مع إقامة سكانٍ جدد فيها، قدموا من حواضر قريبةٍ وبعيدة، من بينها راوة، المدينة العراقية التي خرج منها السيد أحمد الراوي، الصوفيّ الكبير الذي بنى التكية وأسّس فرعاً للطريقة الرفاعية بدير الزور، تناوب أفرادٌ من سلالته بعده على ترؤسه. كان أحمد الراوي شخصاً محبوباً ومحترماً بين أبناء مدينته الجديدة. وخلع عليه السلطان عبد الحميد رتبة نقيب الأشراف، التي تمنح عادةً لأبرز الشخصيات المنسوبة إلى سلالة النبيّ ﷺ. وخلال عشرات السنين كانت التكية منبراً من منابر الدعوة والعلم الشرعيّ. وتربّى في أرجائها كثيرٌ من أبناء دير الزور، الذين يصعب عليهم اليوم تصوّر مدينتهم من دونها.
وقد ألحق هدم داعش للتكية حزناً إضافياً في أنفس هؤلاء، فوق أحزانهم المتجدّدة كلّ يومٍ من أيام الحرب، بحسب ما يقول عبد الله، المتصوّف –سراً في عهد داعش- وطالب الجامعة السابق: "قبل سنتين ضربت طيارة بشار التكية وتهدّمت القبة، واليوم مفخخات داعش كمّلت المهمة". ويضيف عبد الله، الذي خبّأ كتب التصوف خوفاً من السلطة الحالية التي تعدّ هذه الكتب ردّةً وخروجاً عن الإسلام: "داعش مثل نظام البعث، اثنيناتهم احتلال للبلد ولحياة الناس".
قبل الثـــــــورة، لم يكن في قوائم مديرية الآثار والمتاحف بدير الزور الكثير من الأبنية المحميّة كمواقع تراثيةٍ، بعد أن أزالت سلطة البعث المدينة القديمة، المعروفة باسم الدير العتيق، عام 1968. وأثناء الاعتداءات المتكرّرة لقوّات الأسد على المدينة، خلال السنوات القليلة الماضية، دُمّرت معظم الأبنية التراثية. لتأتي خطوة داعش الأخيرة في السياق البربريّ ذاته، من حيث استهتارها بالماضي الذي لا يعجبها بدعاوى فقهيةٍ خاصّة.