- Home
- Articles
- 1
كيف تتغير مفردات الثورة في الغوطة الشرقية
عمار حمو ومادلين إدواردز
31 تموز
The Middle East Eye نقلاً عن موقع Syria Direct
ترجمة مأمون حلبي
في معقل سابق من معاقل المتمردين، يقول السكان إن عليهم الانتباه للطريقة التي يتكلمون بها حالياً في ظل سيطرة الحكومة.
في الشهر الماضي، عندما زار سامر ياسين المكتب الإداري المؤسس حديثاً خارج دمشق، قال أمراً ربما كان عليه ألا يتفوه به. هذا الشاب، الذي يعيش في ضواحي الغوطة الشرقية الواقعة سابقاً تحت سيطرة المعارضة، كان يأمل أن يتسجل في جامعة العاصمة، لكنه أراد أولاً أن يتحقق من الموظف الحكومي الجالس إلى الطرف الآخر من المنضدة، إن كان من المحتمل أن يتم سوقه للخدمة العسكرية وهو في طريقه إلى الجامعة. "سألتهم (ما هو مصير التأجيل من الخدمة العسكرية، كون الشبان من المناطق المحررة قادرين الآن على إنهاء دراستهم الجامعية؟)".
في الحال أسف ياسين لطرحه هذا السؤال، لقد كانت زلة لسان كان من الممكن أن تكلفه غالياً. "الأراضي المحررة" هو تعبيرٌ غالباً ما كان يستخدمه السوريون المناصرون للمعارضة في وصف أجزاء من البلاد، كالغوطة الشرقية، تم تحريرها من الحكومة من قبل المتمردين بعد عام 2011.
نظر الموظف الحكومي إليه وسأله: "تقصد الأراضي التي كانت تحت سيطرة الإرهابيين؟" كان على ياسين أن يفكر بمخرج -وبسرعة- ليصلح غلطته. "كلا، أنا أقصد الأراضي التي حررت من الإرهابيين". ومع أنه خرج من المكتب دون مزيد من الأسئلة، إلا أن مخاوفه لم تكن دون أساس، فبما أن الحكومة السورية تعيد تأكيد سلطتها على ضواحي الغوطة الشرقية، يرغم ياسين والسكان الآخرين أنفسهم على نسيان (مفردات الثورة) التي تعلموها في ظل حصار خانق أبقى 400 ألف شخص في شرنقة لغوية بعيداً عن سمع الحكومة السورية. مراقبة هذه "اللهجة" العائدة لزمن الحرب صارت مسألة جدية تتعلق بها السلامة الشخصية.
"خبز الأسد"
ابتداءً من كانون الأول الماضي، دمر هجوم شامل قام به الجيش السوري وحلفاؤه الجيب المنهك جوعاً وقصفاً من قبل، في حين ردَّ المتمردون برشقات من القصف المتقطع على الأراضي القريبة الواقعة تحت سيطرة الحكومة. ومع حلول نيسان، كان الحصار على الغوطة قد انتهى بعد سيطرة النظام التامة ورحيل عشرات الآلاف من المدنيين ومقاتلي المعارضة إلى محافظة إدلب.
بالنسبة لأولئك الذين بقوا، أخذت الحياة تتحول إلى حالة من الهدوء الغريب الحذر. أخذ علم النظام الآن يغطي خرائب أحياء الغوطة، وتتجمع النساء من أجل مهرجانات التسوق التي ترعاها الدولة تحت ملصقات لرئيس يبتسم ولوالده، بينما يتوجه شبان غوطانيون بحذر إلى قلب دمشق للحضور في الجامعة. وفي حين أنه ثمة وجود لإشارات مرئية على عودة الحكومة السورية، فإن المنظومة اللغوية لعدة سنوات من حكم المعارضة ما تزال متجذرة بعمق.
كما في درعا ومناطق أخرى من البلاد بقيت تحت سيطرة مديدة للمعارضة، طوَّر الغوطانيون "مفردات" تعكس واقعهم اليومي. فالكلمات التي كانت من الممكن أن تكون سبباً للسجن إن استخدمت علناً قبل2011، أصبحت جزءاً من الحديث اليومي: الثورة، المتمردون، الأسد، و"الحكومة" السورية أصبحت "النظام" السوري. يقول عبد الرحمن، طالب جامعي من دوما: " بعد 7 سنوات في ظل حكم جماعة متشددة أو سياسة معينة، يصبح لديك لهجة مرتبطة بظروف معيشتك". الخبز، وهو مادة غذائية أساسية وأحياناً نادرة في ظل الحصار، كان اسمه بكل بساطة خبز عندما ينتج محلياً في الغوطة، "لكن الخبز الذي كان يصلنا عن طريق القوافل، أو من مخابز النظام، كنا نسميه خبز الأسد"، يقول عبد الرحمن.
ويقول أبو رائد، أب لثلاثة أطفال، إن بعض المفردات التي تبناها أثناء سنوات الحصار والقصف ما زالت تفلت منه. "يقول المرء أشياء مثل النظام، أو الثورة، أو (من قبل ، عندما كنا محاصرين)". أحياناً، في اللحظات الأكثر هدوءً،
عندما يتذكر أصدقاءه وأفراد أسرته الذين قتلوا في القصف، يستخدم أبو رائد فعل "استُشهد". "الأحاديث خلف الأبواب المغلقة أمرٌ يختلف عن الأحاديث خارجها. من المستحيل خارج البيت أن أرتكب خطأً".
"كل شيء على مايرام"
في الأيام التي تلت مغادرة محمد راتب للغوطة متوجهاً إلى إدلب في نيسان، أرسل رسائل واتساب إلى أفراد أسرته الذين لم يغادروا. أرسل تحية بسيطة: "كيف حالكم يا شباب؟ ما الجديد؟" كان الرد على رسالته زخات من لغة مشفرة وهسهسة فعلية من أفراد أسرة عصبيين، خائفين من صدفة أن يكون مخبرو النظام يتعقبون أو يراقبون أحاديثهم الدائرة عبر الواتساب. يقول راتب: "يتحدثون معي عن كل شيء ما عدا الثورة والنظام والجماعات المسلحة".
عندما سُأل أبو رائد ماذا كان هو والآخرون يقولون لبعضهم البعض أمام الملأ، ضحك وقال بسخرية: "كل شيء على ما يرام". "بعض الجيران وصلت الأمور بهم إلى حد تبني لهجة لاذقانية مغالى بها. في هذه الأيام كل شخص يقول كيفك يا حبيب، كيفك ياغالي"