قبل الثورة كانت لمشاهدة مباراةٍ متعةٌ خاصة، لا باللعبة وحدها بل بظرافة الجمهور. ويبدو من المباريات الأولى لكأس العالم أن حماسة هذا الجمهور قد تغيّرت.
لم ينقص من تعصّب أحمد لمنتخب الأرجنتين شيءٌ كثيرٌ هذا العام، فقد اشترى قميصاً مخططاً وعلماً حاول أن يعلقه على مدخل بيته، لكن انتقاداتٍ ونصائح كثيرةً دفعته إلى الكف عن ذلك، ليكتفي بمتابعة المونديال في المنزل عبر قناةٍ أرضيةٍ عراقيةٍ يصل بثها إلى مدينة البوكمال الحدودية. ورغم "ثوريته" يجد أحمد رغبةً قويةً في حضور المباريات، "لكن ليس كما سبق" مثلما يقول، إذ كان المزاج الكرويّ لديه أعلى بكثيرٍ من اليوم، وكانت لديه مجموعة أصدقاءٍ كثرٍ يأخذون مقاعدهم في (نادي البوكمال) أو في (مقاصف الكورنيش) على النهر، قبل وقتٍ أمام شاشة العرض، يحمل بعضهم أعلاماً ويرتدي آخرون قمصان منتخباتهم المفضلة، وتنشغل كلّ مجموعةٍ بتحدّي المجموعات الأخرى. خطر له هذه السنة أن يحاول مع من بقي من الأصدقاء ليصنع "جوّاً"، لكنه لم يفلح في ذلك. وحتى هو نفسه لم يجرؤ على تعليق علم أو ارتداء قميص المنتخب الأرجنتيني الذي يحب. يشعر أحمد بالفرح وهو يتذكر مونديال 2010، حين تنافست المقاهي على اجتذاب الزبائن بتركيب شاشات عرضٍ كبيرةٍ وزيادة عدد الطاولات وتعليق أعلام المنتخبات الكبرى. ويبالغ بعض الشيء حين يقول بأن المئات من شباب البوكمال المغتربين في الخليج قدّموا وقت إجازتهم الصيفية ليتابعوا كأس العالم في البوكمال.
البرازيل والأرجنتين
يزعم مشجعو البرازيل أنهم أكثرية، ويزعم ذلك مشجعو الأرجنتين. لكن عيد يشجّع، وعلى غير العادة، الفريقين معاً! فمنذ نعومة أظفاره تابع عيد (40 عاماً) بطولات الكأس العالمية، وأحب مارادونا وسقراط وزيكو، وتمنى أن تلتقي البرازيل بالأرجنتين في المباراة النهائية، لكن هذا لم يتحقق. يبتسم عند الحديث عن هذه الأمنية، ويشعر بالاستغراب من نفسه لأنه يتكلم بهذا الحنين عن شيءٍ لا يستطيع أن يهتمّ به ولو لشوطٍ واحدٍ وفق تعبيره. ثم يجيب بجديةٍ أنه من عشاق الأرجنتين، عند سؤاله عن الفريق الذي يشجع، وهو السؤال الذي استنكره عزيز، النازح من دير الزور إلى البوكمال: "بي ناس فسكانة وفاضية شغال... قال مونديال قال.. عيشتنا صايرة مونديال". يقرّ عامر (30 عاماً) بصعوبة أن يجد الإنسان "راحة بال تخليه يحضر مباراة"، لكنه "يحاول أن يتابع في بعض المقاهي أو بيوت بعض الأصدقاء". ويشير إلى مشكلتين تواجهان متابعي المباريات، هما انقطاع التيار الكهربائيّ، وارتفاع ثمن الاشتراك بقناة الجزيرة الرياضية، إذ يصل إلى (500) دولار، وهو رقمٌ كبيرٌ بالليرة السورية. يحلم عامر بالسفر إلى ألمانيا، ويشجّع منتخبها لأنها تستقبل النازحين السوريين وتعاملهم بإنسانية، بينما لم تفعل ذلك الدول العربية، وفق تعبيره.
الثورة والحرب والمونديال
لا يكفي الشرط الذي وضعته الطالبة الجامعية ميساء، "بأن لا يشجع الواحد إيران أو منتخبات الدول التي تساند نظام الأسد"، لمنح "راحة الضمير" لمن يشاهد مباراة. ففي هذه الظروف، وبحسب من ينأون بأنفسهم من (الرياضيين) عن متابعة مباريات كأس العالم، فإن أيّ سوريٍّ طبيعيٍّ لا يمكن أن يجد في نفسه الرغبة الكافية لينشغل حوالي الساعتين بشيءٍ آخر سوى الهموم الحالية، من أمنٍ ومأوىً وغذاء، ولن يقدر على تجاهل الآلام العميقة التي خلفتها الحرب في نفسه. أبو أنس، وهو أبٌ لأربعة شبانٍ أحدهم شهيدٌ وآخر مقاتل على الجبهات، لا يستطيع، بحسب قوله، أن "يخطف ساعةً من الزمن ليحضر فيها مباراة". ويتذكر حسين، الذي كان يلصق صورة اللاعب الأرجنتيني (ميسّي) على دفاتره المدرسية، أيام شغفه بهذا اللاعب قبل الثورة. والآن، وبعد أن كبر حسين ثلاث سنواتٍ ملأت الثورة كلّ دقيقةٍ منها، بالكاد يسأل إن كان نجمه القديم في صفوف المنتخب.