قصة سوريا في كأس العالم:
سياسة وحشية تقبع خلف اللعبة الجميلة

جيمس مونتاغ
11- تشرين الأول
 موقع The Middle East Eye
ترجمة مأمون الحلبي

قصة منتخب سوريا الوطني أعقدُ بكثير من حكاية فريق يتوحد مقدماً الوحدة والتنوع لشعبه.

بعد 120 دقيقة من لعبهم مباراة الإياب ضد أستراليا في سيدني تأهل الفريق المضيف، منهياً حكاية شدَّت كثيرين في أنحاء العالم. لدينا منتخب كروي من بلد دمرته حرب أهلية شردت أكثر من 5 ملايين من مواطنيه. قرابة نصف مليون شخص قُتلوا. والكثير من اللاعبين كانوا في عداد الموتى أو الجرحى. لاعبون آخرون كانوا قد اعتقلوا وعذبوا واختفوا. بعض اللاعبين، مثل محمد جدوع، فروا من العنف بقوارب المهربين، مما يحرم كرة القدم السورية من مستقبلها. لعبت سوريا 20 مباراة في هذه التصفيات. في الجولة الأولى من التصفيات لم يكن مسموحاً للفريق اللعب في دمشق، فاستضافت دولة عمان مباريات الفريق السوري المحسوبة على أرضه. وفي الجولة الثانية أصبحت ماليزيا أرض الفريق السوري. مع ذلك، استمر الفريق بالفوز، بالدرجة الأولى بفضل أهداف الدقيقة الأخيرة. والآن، في الدقيقة الأخيرة من مباراة الإياب ضد أستراليا حصل الفريق السوري على ركلة حرة على حافة منطقة الجزاء الأسترالية تولى تنفيذها عمر السومة. إن سجل هدفاً سيستمر الحلم السوري . شهق العالم عندما تقدم عمر لركل الكرة. هزمت الكرة الحارس الأسترالي لكنها لم تستطع هزيمة القائم. هنا انتهت رحلة الفريق السوري في تصفيات كأس العالم.

القوة الدعائية لكرة القدم

إن سعي الحكومات نحو القوة الدعائية لكرة القدم ليس بالأمر الجديد. المجلس العسكري الحاكم في الأرجنتين استثمر أموالاً ورأسَمالٍ سياسيٍّ – بالإضافة إلى شبهة الرشاوى والإرغام – لضمان استضافة مونديال 1978 والفوز بها. وفي الشرق الأوسط تمثل كرة القدم فرصة لالتفاف الناس حول علم بلادهم والخروج من الرتابة القاتلة لحياتهم اليومية. حسني مبارك في مصر هو مُعَلمٌ في هذا المجال. فقد قام بحشد وتعبئة الناس والإعلام خلف فريق «الفراعنة» أثناء حملة التأهل الناجحة إلى نهائيات مونديال إيطاليا 1990. المباراة الأخيرة ضد الجزائر، المؤهلة إلى النهائيات، أطلق عليها اسم «معركة القاهرة». بعد 20 عاماً، أعاد مبارك الكَرَّة – وكانت المباراة الحاسمة في القاهرة ضد الجزائر أيضاً. في الأسبوع الذي سبق المباراة وصف الإعلام المصري المباراة بأنها حربٌ. هوجم باص الفريق الجزائري لدى وصوله الملعب، وأدى ذلك لجرح عدة لاعبين. مبارك وولديه زاروا الفريق المصري قبل المباراة. الجنرال السيسي أكمل مشوار مبارك عندما زار الفريق الكروي بعد تأهله التاريخي لمونديال روسيا 2018.

أداة نافعة للدكتاتوريين

كل الحكومات في الشرق الأوسط حاولت أن تتبنى كرة القدم لأسباب مختلفة. في فلسطين، يحظى فريق كرة القدم بدعم على أعلى مستوى. جبريل رجوب، وهو خليفة متوقع لمحمود عباس، رئيسٌ لاتحاد كرة القدم. وفي العراق، يحظى الفريق الوطني بشعبية حقيقية، وهو رمز نادر عن الوحدة. وفي الخليج، يرعى الأمراء اللعبة، فهي تقدم متنفساً للشباب. أمّا في ليبيا، فقد كان الفريق الكروي دائماً فريقاً للقذافي. وبالرغم من أنه كان معروفاً كره القذافي للعبة، إلا أن أبناء العقيد كانوا يتحكمون باتحاد كرة القدم. وهذا ما يفسر كيف استطاع الساعدي القذافي، وهو لاعبٌ متواضع المستوى، أن يلعب في صفوف المنتخب الليبي وصفوف فريق بيروجيا الإيطالي قبل أن يحرم من اللعب لتناوله المنشطات.

في الشهور الأولى من الحرب لم يكن النظام السوري مهتماً بكرة القدم. في الحقيقة كانت كرة القدم وقتها كارثة دعائية. عندما اقترب الفريق الأولمبي من التأهل لنهائيات أولمبياد 2012، كان قليلون من يريدون التحدث عن اللاعبين الموجودين هناك. لقد كان الحديث عن لاعب لم يكن موجوداً. كان حارس المرمى وهو عبد الباسط الساروت، ابن حمص. كان قد ترك الفريق وأصبح رمزاً للثورة. خرج الفريق من التصفيات المؤهلة للأولمبياد، وأصبحت الأمور أسوأ عندما مُنع موفق جمعة، رئيس اللجنة الأولمبية السورية من حضور الأولمبياد بسبب قربه من نظام الأسد.

تهديدات حكومية

عندما بدأت التصفيات لمونديال روسيا، اختار أفضل اللاعبين السوريين عدم اللعب لفريق كان يمثل من منظورهم نظاماً غير شرعي. رفض فراس الخطيب اللعب للفريق. عمر السومة كان غائباً عن الفريق منذ عام 2012. مصعب بلحوس، حارس الفريق، سُجن في بدايات النزاع بزعم مساعدته وإيوائه لمتمردين. جهاد قصاب، الكابتن الأسبق للمنتخب، عُذب حتى الموت عام 2016. لكن مع نجاحات الفريق دخل النظام خط الاستثمار. في مؤتمر صحفي قبل إحدى مباريات التأهل ارتدى المدرب فجر إبراهيم مع أسامة العمري قمصاناً بيضاء عليها صورة الأسد. كثير من اللاعبين السابقين واجهوا قراراً صعباً حول مستقبلهم، وكثيرٌ منهم عادوا. البلحوس أطلق سراحه لاحقا وسُمح له بالانضمام ثانية للمنتخب. بل إنه صافح بشار الأسد عندما دعي الفريق إلى القصر الرئاسي بعد أن فازت سوريا ببطولة غرب آسيا 2012.

ظاهرياً، نجاح الفريق وضع اللاعبين المبتعدين أمام معضلة أخلاقية. هل تبقى خارج السياق؟ أم تساعد، لمعرفتك أن الفريق يمكنه أن يفعل الخير لأهل بلدك؟ لكن ماذا تحت السطح؟ قال لي عدة لاعبين من الفريق الأريتيري، على سبيل المثال، أنهم كانوا يخشون التكلم ضد الحكومة حتى بعد فرارهم لأنهم كانوا يخافون أن تستهدف الحكومة عائلاتهم في الوطن.