أحدث جرائم داعش في قرية الخرَيْطة
أوقف أحد عناصر التنظيم السيارة التي كنت أستقلّها ليقول: "انزل تفرّج عالإصدار". ظننتُ أنه يقصد أحد إصدارات التنظيم المصوّرة. تجمّع ما يقارب خمسمئة شخصٍ من المدنيين في الساحة، منهم من دفعه الفضول ومنهم من دفعه الخوف ومنهم من تمّ جلبه من منزله، دون أن يعرف أحدهم السبب الذي جمعوا من أجله.
في نهاية الشهر الماضي انقلبت سيارة (بيك أب) تابعةٌ لإحدى دوريات التنظيم في قرية الخرَيطة في ريف دير الزور، نتيجة سرعة سائقها. لم تسفر الحادثة نفسها عن خسائر، ولكنّ هيكل السيارة المقلوبة تعرّض للحرق بفعل مجهولٍ بعد صلاة العشاء. ثارت حفيظة التنظيم، وباشر بإجراء تحقيقٍ اعتقل إثره ثلاثة شبّانٍ من المنطقة، وجّهت إليهم تهمة حرق السيارة. ثم أفرج بعد ذلك عن اثنين من المتّهمين، بتزكيةٍ من أحد عناصر التنظيم، لتستقرّ التهمة على الشابّ موسى زهدي الخرسان، المقاتل السابق في الجيش السوريّ الحرّ.
لم يعلم الأهالي أية عقوبةٍ ستنفّذ داعش بحقّ موسى الخرسان حتى عصر يوم الأربعاء التالي للحادثة، حين انتشرت دوريات التنظيم وعناصره على مداخل ومخارج القرية وفي ساحتها المسمّاة بساحة الجمعية الفلاحية. بدأ الأهالي يتساءلون بين بعضهم عن تفسير ما يجري، ليقول أحدهم: "يقولون بي شخص مربّط بالسيارة، يجوز تا يعدمونو".
أنهى أحد عناصر التنظيم هذه الحيرة بتقدّمه وسط الجموع ليلقي كلمةً جاء فيها: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم"، لتبدأ كاميرات التصوير الخاصّة بالتنظيم بالظهور إلى جانب كاميرا ضخمةٍ مثبّتةٍ في الساحة، فعرفتُ حينها أنه إصدارٌ حيٌّ. قطع أفكاري صوت شخصٍ يقول: "نزَّلوه من البيك آب، يا الله يا ربّ سترك". نظرت فإذ بشابٍّ نحيلٍ وضعيفٍ مغمض العينين يمشي بترنّحٍ يجرّه عنصران من التنظيم. قال أحدهم: هذا موسى. كان الشابّ الذي يسير أمامنا بهدوءٍ غير متوازنٍ في مشيته، يبدو عليه أنه فقد الكثير من وزنه، ليعلل أحد الحاضرين ذلك همساً: "دحقو... مهلكينو من الضرب". فيما قال آخر: "أكيد مشرّبي مهدّئ".
قطع دخول سيّاف التنظيم، ضخم الجثة، همسات الناس. أمسك السيّاف موسى من رأسه وأزال عن ظهره اللباس كاشفاً عن رقبته، وعندها بدت آثار التعذيب. ليصيح أمير المجموعة: "هذا جزاء من يتطاول على دولة الإسلام. جئناكم بالذبح أيها المرتدّين". سكت الجمع للحظةٍ والذعر بادٍ في عيونهم، يرقبون شاباً ينتظر موته ساكناً وسيّافاً فرحاً بمهمته وعناصر تهتف لنصرهم وناساً ذاهلين لا ينبسون بكلمة.
كان عدد عناصر التنظيم كبيراً، عشرات الملثمين متوزّعون بشكلٍ منظّم؛ منهم من يقف في وضعية التأهب، ومنهم من يتّخذ وضعية القنص استعداداً لأيّ ردّ فعلٍ من الأهالي. جثا الشاب على قدميه ورفع السيّاف سيفه وضرب به رقبة ابن التسعة عشر عاماً. تدحرج الرأس على الأرض ليوقفه أحد العناصر بقدمه وهو يكبّر. رجع الناس تلقائياً خطواتٍ إلى الخلف من شدّة الخوف، فيما ذهل بعضهم وظلّ واقفاً في مكانه بلا حراك، فهم لم يشهدوا شيئاً شبيهاً من قبل، ربما رأوه في إصدارات التنظيم، ولكنهم لم يروه في الحقيقة وفي قريتهم بالتحديد. قال الأمير: "يلا شيلوه بالسيارة وافتحو الطريق... يلا بسرعة". بدأ الأهالي يركضون من الخوف ليبتعدوا عن الطريق. فكّرت أنّ حشد كلّ هذه الأعداد لم يكن ضرورياً، لم يكن أحدٌ ليعترض على أية حال. ذهب الكلّ إلى منازلهم ساخطين، واكتفى بعضهم بترديد: "والله حرام عليهم، ما يصير هيك". فرغت الساحة من عناصر داعش، ولم يبقَ سوى دم موسى الذي تطوّع أحد الشبان لتنظيفه من الشارع.
في يوم الأربعاء الأوّل من هذا الشهر سقط رأس موسى الخرسان كأحدث ضحايا التنظيم وليس آخرهم، سقط ثمناً لهيبة وإرهاب سلطة التنظيم... وانتظاراً لخلاصنا.