- Home
- Articles
- Radar
قدم في دمشق وأخرى في إسطنبول .. هكذا تمكنت جماعة زيد من تلافي مصير الثمانينات
لا يزال الشيخ نعيم العرقسوسي يواظب على إلقاء درس "جلسة الصفا" صبيحة كل يوم جمعة في جامع الإيمان في منطقة المزرعة الواقعة بين ساحة السبع بحرات وحي الشهداء بدمشق، فيما لم تمنع إصابة الشيخ نذير مكتبي بمرض السكري من اعتلائه منبر جامع الحمزة والعباس بحي العباسيين لمتابعة خطب الجمعة، أما معاهد الفرقان في أحياء المزة والمهاجرين والفحامة والقزاز، فيجري فيها تدريس اللغة العربية والعلوم الشرعية على وتيرة واحدة بدأت منذ عقود ولم تتوقف على الرغم من عقد كامل مر على الثورة السورية، وقد شهدت الأشهر الأولى منه حدوث انقسام في جماعة زيد بن ثابت التي أسسها الشيخ الدمشقي عبد الكريم الرفاعي، ثم آلت بعد وفاته إلى ولديه أسامة وسارية.
في دمشق لقّب الشيخ نذير مكتبي ب "أسد المنابر" وحاز كتابه "خصائص الخطبة والخطيب" على شهرة واسعة بين طلاب العلوم الشرعية، وفي معهد الفرقان بالقرب من القصر الرئاسي (قصر تشرين) في حي المهاجرين كان مكتبي يحاضر في الأدب والنقد وتفسير آيات الأحكام، بينما تتيح له أوقات الفراغ بعد الدرس لسرد القصص المتعلقة بشيخه عبد الكريم الرفاعي، الذي كان يتلقى العلم بين يديه في جامع زيد بن ثابت مع زملائه، موسى العربي النوي مدير معهد الفرقان، والشيخ أسامة الرفاعي الولد الأكبر للرفاعي الأب.
ومع أن الشيخ نعيم العرقسوسي لم يكن يحاضر في معهد الفرقان، إلا أنه يعد أحد رجالات الجيل الثاني من الجماعة، إضافة إلى كونه رقماً صعباً فيها، في ظل شهرة واسعة حازها داخل المجتمع الدمشقي بعد نجاح دروسه في الحديث الشريف التي كان يلقيها على نفس المنبر الذي كان يحاضر فيه شيخ دمشق المقرب من النظام محمد سعيد رمضان البوطي في جامع الإيمان.
على المقلب الآخر فرغ مسجدا زيد بن ثابت وعبد الكريم الرفاعي من شيخيهما أسامة وسارية بعد نفيهما خارج البلاد، ويشكل كل من أسامة وسارية ومكتبي والعرقسوسي أهم رجالات جماعة زيد، فيما تعد المساجد الأربعة (زيد، عبد الكريم الرفاعي، الإيمان، وحمزة والعباس) إضافة إلى معهد الفرقان بفروعه ال12، أهم الأماكن الدينية والتعليمية التي كانت الجماعة تمارس فيها نشاطاتها الدعوية. وقد كانت الجماعة مع دخول العام 2011 على موعد مع مرحلة جديدة ستغير من شكلها ظاهرياً، لكنها لن تنهي مؤسساتها التعليمية والدعوية، على الرغم من النفي الإجباري والطوعي الذي طال قسماً واسعاً من قياداتها وأفرادها.
على مفترق طرق
مع انطلاقة الثورة، وفي ظل المتغيرات المتسارعة لها وانضمام شبان كثيرين من المنتسبين للجماعة أو الموالين لها، حرصت قيادة جماعة زيد على تجنب ما حدث في الثمانينات حينما واجهت يومها قراراً صارماً من حافظ الأسد بالنفي، ما قاد حينئذ إلى انهيار الجماعة وتوقفها عن العمل في دمشق.
وفيما يبدو أنها "خطة جديدة" يمكن أن تمنع انهيار ما تم إنجازه من مؤسسات، على الرغم من كونها لم تمنع تكرار نفس النفي القديم، انقسمت الجماعة إلى قسمين: بقيت معاهد الفرقان ومعظم كادرها على رأس عملها، لكن مع انتهاء الإشراف المباشر من الشيخ أسامة الرفاعي الذي كان يعد المشرف العام على هذه المؤسسة، في حين يديرها اليوم سنينه موسى العربي النوي تلميذ الرفاعي الأب.
أما مسجدا الإيمان وحمزة والعباس بشيخيهما مكتبي والعرقسوسي، فلم يتأثرا كثيرا بظروف الثورة، إذ بقي الشيخان على حيادهما، ظاهرياً على الأقل، وهي مؤشرات تدل على أن القسمة -وفقاً للمآلات- مدبرة كالتالي: مسجدان وشيخان يبقيان قيد العمل في حال توقف المسجدان الآخران (زيد بن ثابت وعبد الكريم الرفاعي)، وهو ما تم بعد إجبار سارية وأسامة على مغادرة البلاد، على خلفية أحداث ليلة القدر الدامية في مسجد عبد الكريم الرفاعي التي تعرض خلالها الشيخ أسامة لضربات رجال الأمن.
أما معهد الفرقان فقد استمرت فروعه الكبرى في العمل في ظل بقاء معظم كادره التوجيهي والتدريسي في دمشق، مثل الشيخ راتب علاوي المجاز في القراءات العشر وموجه المعهد، وأيضاً الشيخ أحمد رباح تلميذ أبي الحسن الكردي وخليفته في الإقراء داخل مسجد زيد بن ثابت والذي تصادم مع سارية الرفاعي قبل سنوات قليلة من اندلاع الثورة ما أدى لاعتزاله الإقراء، كذلك الشيخ منذر الدقر حفيد شيخ دمشق علي الدقر المتوفى قبل سنوات، والذي كان يدرس علوم القرآن و يمتلك فكراً دينياً أكثر انفتاحاً، وطالما انتقد مشايخ التصوف الطرقي موضحاً لطلابه خطأ المشايخ في تحريم بعض الأمور المباحة كالغناء والموسيقى.
فيما لم يؤثر على عمل المعهد غياب الشيخ أسامة الرفاعي كونه كان يمارس دوراً رمزياً فقط، أو مغادرة الدكتور فايز عوض ابن الشيخ محمد عوض، الذي كان يحاضر في أصول الفقه، وكان أحد أركان مسجد زيد بن ثابت.
مرحلة جديدة
مع انقسام جماعة زيد إلى قسم معارض يصرح بوقوفه ضد النظام السوري، وقسم محايد أنيطت به مهمة الحفاظ على المكتسبات التي تم تأسيسها أو تنشيطها قبل الثورة، تمكنت الجماعة من تلافي حدوث مصير مشابه لفترة الثمانينات.
كان موقف شيخها أسامة أكثر جرأة بخلاف موقف الصف الأول من الجماعة خلال مرحلة الثمانينات، ويمكن تشبيهه بالمواقف الكلاسيكية لجماعة الشيخ حسن حبنكة الميداني التي يطلق عليها جماعة الميدان، حيث ناهض شيخها نظام البعث في الثمانينات، وعلى نفس دربه سار تلميذه الثاني، شيخ القراء كريم راجح الذي شن هجمات نارية ضد النظام في مسجد الحسن وسط الميدان عشية انطلاق شرارة الثورة في 2011.
وفيما يبدو أنه كان مدفوعاً إلى ذلك من طلابه وأعضاء جماعته المنخرطين في الثورة، وقف الشيخ أسامة الرفاعي بعد انطلاقها مناهضاً لسياسة النظام القمعية ومطالباً بالإصلاح، فيما لم يصرح أي من سارية أو مكتبي أو عرقسوسي بتصريحات مشابهة.
ربما كانت الجماعة تفضل التضحية بالجزء لبقاء الكل، لكن كان يبدو في تصاعد الأحداث أن الكل يشمل بقاء الشيخ سارية وبعض النشاطات الدعوية في مسجده زيد بن ثابت والحفاظ على جمعية حفظ النعمة التي يرأسها إلى جانب مسجدي الإيمان وحمزة والعباس وشيخيهما. لكن البند المتعلق بالشيخ سارية لم يتحقق في ظل إصرار النظام على نفيه، أما غياب أي تصريحات مباشرة ضد النظام للشيخ سارية حتى عندما خرج على شاشة الجزيرة في العام الثاني للثورة، ربما كان وراءه تعلق الشيخ في الحفاظ على مؤسسته الكبرى (جمعية حفظ النعمة).
بخلاف العمل الصامت الذي اتجهت إليه جماعة زيد "الشق المحايد" في دمشق، تعددت المؤسسات والنشاطات والمكتسبات الدينية/السياسية التي حققتها الجماعة بشقها المعارض في المنفى. فإضافة إلى إعادة هيكلة الجماعة من خلال مؤسسة زيد بن ثابت الأهلية والتي ضمت المغادرين لسوريا من كادر الجماعة (الشوام) و كوادرها من الأرياف التي كانت تدير مساجد ومؤسسات تابعة للجماعة بريف دمشق، أسست الجماعة مؤسسة سكون ميديا للإنتاج الفني، التي لم تتبن خطاً سياسياً معارضاً، فقد وقّع مديرها عمار سارية الرفاعي عقوداً عديدة مع فنانين موالين للنظام السوري وفقاً للصور المتاحة على الإنترنت.
على أن أكثر مشاريع جماعة زيد السرية، وربما أكثرها فشلاً أيضاً، تمثلت في الانخراط المسلح في صفوف المعارضة لا سيما بريف دمشق، فإضافة لوقوف أشخاص من أبنائها للقتال ضد جيش النظام السوري، مولت الجماعة فصائل مقاتلة على رأسها الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، الذي كان يعاني من الفوضى والتفكك والإمكانيات الضعيفة.
انتقادات موجعة
منذ خروجه من دمشق يواجه أبناء وأحفاد الرفاعي الأب في المنفى اتهامات عديدة من بينها العمل وفق أجندة غربية، والحفاظ على شعرة معاوية مع النظام السوري.
طالت الانتقادات سارية الرفاعي كونه لم يصدر موقفاً علنياً تجاه النظام بعد مغادرته سورية في العام 2012، وشقيقه الأكبر أسامة إثر تعزيته بوفاة البوطي، في حين نال عمار سارية الرفاعي وحفيده بدر الدين الأحمر النصيب الأوفر من الانتقادات بسبب مؤسسة سكون ميديا وفريق أمان التطوعي، لا سيما بعد بث صور لعمار الرفاعي مع فنانين موالين مثل سلوم حداد في مقر سكون ميديا بإسطنبول أو مع الإعلامي اللبناني الشهير جورج قرداحي، وصورة تظهر علم المثليين داخل أحد مقرات فريق أمان التطوعي.
يرى منتقدو الجماعة أن ولاءها للمشيخة الدمشقية المقربة منها يتفوق على ولائها للثورة السورية، وهو ما يبدو واضحاً من كل قضية رأي عام تتعرض فيها الجماعة أو مقربون منها لانتقادات، مثل قضية الشيخ المقرئ أيمن رشدي سويد بعد أن أزال علم الثورة ووضع علم النظام السوري على مقعده خلال تحكيمه في إحدى المسابقات. حينها اندفع أبناء الشيخين أسامة وسارية للرد على منتقدي سويد بشكل يثير الغرابة، ويثبت صحة هذه الفرضية.