كينيث روث*
الغارديان/ 28 أيلول
ترجمة مأمون حلبي
إن الحاجة التي تدفع إلى التفاوض مع قادةٍ مرفوضين أخلاقياً إلى الدرجة التي بلغها بشار الأسد هي واقعٌ مؤسفٌ للدبلوماسية، لكن على القادة الغربيين ألا يخلطوا تلك الضرورة بالفكرة التي تسوّق لها روسيا، والتي ترى أن الأزمة السورية يمكن حلّها فقط إذا بقي الأسد في السلطة، وعليهم ألا يعتقدوا أن حكم الأسد هو الطريقة الوحيدة لمنع انهيار الدولة السورية وحماية الجماعات المتنوّعة فيها.
فمنذ وقتٍ طويلٍ يحاول فلاديمير بوتين أن يصوّر الأسد كصخرةٍ يُكسر عليها من يسمّون أنفسهم تنظيم الدولة الإسلامية. لكن، على العكس من كونه عامل استقرارٍ أو حلاً لتهديد داعش، الأسد سببٌ رئيسيٌّ لصعود الجماعات المتطرّفة في سوريا. ففي بدايات الانتفاضة السورية، بين تموز وتشرين الأول 2011، أطلق الأسد سراح عددٍ من الجهاديين الذين سبق وقاتلوا في العراق، وكثيرٌ منهم لعبوا فيما بعد أدواراً قياديةً ضمن الجماعات الإسلامية المتشدّدة، لكنه أبقى في السجون أولئك الذين ساندوا الانتفاضة السلمية. ساعد إطلاق سراح الجهاديين على تغيير الطبيعة العامة للتمرّد من كونه تمرّداً ينشد، بشكلٍ رئيسيٍّ، أهدافاً ديمقراطيةً إلى تمرّدٍ يهيمن عليه الجهاديون. مكّن هذا التحولُ الأسدَ من أن يعيد تركيز سردية الأحداث من حكمه الوحشيّ إلى الاستحالة المزعومة للاستغناء عنه في القتال ضدّ داعش. حالما أصبحت داعش قوّةً كبيرةً، بعد استيلائها على الرقة في 2013، تجنّبت قوّات الأسد مواجهتها إلى حدٍّ كبير. ازداد النزاع بين الطرفين منذ صيف 2014، لكن لعدّة شهورٍ حاسمةٍ ترك الأسد داعش وشأنها إلى حدٍّ كبير، متيحاً لها توطيد "خلافتها"، وركّز قوّته النارية على عناصر أخرى من المعارضة المسلحة. والأهمّ من هذا، كانت فظاعات الأسد عامل استقطابٍ للمقاتلين باتجاه داعش والمجموعات المتطرّفة الأخرى.
إن الحرب السورية في غاية البشاعة، لأن الأسد قد اختار خوضها ليس باستهداف المقاتلين المعارضين فحسب، بل أيضاً بالقيام بهجماتٍ عشوائيةٍ ضدّ المدنيين في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. وتدرّجت أدواته في ذلك من حرمانهم من الطعام والرعاية الطبية وصولاً إلى البراميل المتفجّرة سيئة الصيت. أما النتيجة، فقد كانت دماراً تاماً لقطاعاتٍ واسعةٍ من الغوطة وحلب وإدلب ودرعا ومناطق أخرى تحت سيطرة المعارضة. هذا النوع من الحرب، الذي يستهدف المدنيين، سببٌ أساسيٌّ لهروب اللاجئين، نظراً إلى أن هكذا حربٍ تعني أن الكثيرين لا يستطيعون إيجاد مكانٍ آمنٍ في بلدهم. الأسباب الجلية التي تكمن خلف إستراتيجية جرائم الحرب التي يمارسها الأسد هي إفراغ مناطق المعارضة من السكان والإشارة إلى السوريين الآخرين أنهم أيضاً سيهاجَمون إن سيطرت المعارضة على مناطقهم. الفوضى والفراغ الناتجان عن هذا الأمر سهَّلا على داعش والمجموعات المتطرّفة الأخرى استقطاب المقاتلين بالقول إنهم الوحيدون الذين يعارضون بشكلٍ فعالٍ هذه الفظاعات الجماعية. ولقد كانت الكراهية الموجّهة للأسد واضحةً في الصعوبة التي عانتها الولايات المتحدة في محاولتها استقطاب متطوّعين يقاتلون تنظيم داعش فقط. في الحقيقة، إن أكبر تهديدٍ للدولة السورية هو الغضب الذي تخلقه طريقة شنّ الحرب من قبل الأسد. تختلف الهياكل الحكومية كلّ الاختلاف عن نظام الأسد الذي يسيطر عليها حالياً، لكن كلما طال أمد استخدام الأسد وزمرته لسلطة الدولة في قتل المدنيين كلما تناقص عدد الذين يميّزون بين سلطة النظام وسلطة الدولة. انهيار الدولة، وليس انتقالاً منظّماً للحكم، سيكون أمراً كارثياً إن حصل. إن وضع حدٍّ لهجمات الأسد الممنهجة على المدنيين هو أساس أيّ إستراتيجيةٍ واقعيةٍ لاحتواء تنظيم داعش، وإعادة بناء النسيج الاجتماعيّ الذي لا يُستغنى عنه في مواجهة التطرّف وفي الحفاظ على دولةٍ سوريةٍ تؤدّي وظائفها.
وإذا أخذنا بالاعتبار العداوة والبغضاء التي تخلقها هذه الهجمات، فمن المرجّح أن يكون كبحها شرطاً مسبقاً لأيّ محادثات سلامٍ ناجحة. لسوء الحظ، لم تقم روسيا وإيران، داعمتا الأسد الأساسيتان، بأيّ ضغطٍ ملحوظٍ لإيقاف هذه المذبحة. وعلى العكس من ذلك، عارضت روسيا الجهود المبذولة في مجلس الأمن للجم استخدام البراميل المتفجّرة. لقد حان الوقت للكفّ عن إغلاق عيوننا عن هذه الجرائم الفظيعة. إن إيقاف فظاعات الأسد المشينة، وفظاعات غيره من الجماعات الأخرى، يجب أن يكون أوّل بندٍ على جدول أعمال أيّ مفاوضات.
* المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش منذ 1993.