قائد إحدى مجموعات المقاتلين الديريين في الشمال أحمد علاوي:

أحمد علاوي- يمين

لن تحقّق الثورة أهدافها قبل أن نتوحّد، ويجب أن يُعزل قادة مقاتلي دير الزور أو يُقتلوا

"بعربين، وبشهر رمضان 2011، كان في زلمة راجع من شغله على بسكليت، وشايل أكياس سوس وعصاير. وقّفو حاجز للأمن العسكري بدون سبب، وبلشوا العناصر يضربون بيه بجنون لحتى مات".

هذه واحدةٌ من قصصٍ وحشيةٍ كثيرةٍ كان أحمد علاوي، مدرّس اللغة الإنكليزية، والضابط المجنّد آنذاك في جيش النظام، شاهداً عليها. وإلى أن حانت الفرصة المناسبة للانشقاق، في نهاية ذلك العام، سجّل أحمد في ذاكرته عشرات الوقائع عن "الطبيعة الإجرامية لهذا النظام"، و"ملأ قلبه بما يكفي من العزيمة لقتاله". قتالٌ بدأ من بلدته "الكشكية" -90 كم شرق دير الزور- إذ انضمّ، بعد انشقاقه، إلى مجموعات الجيش الحرّ هناك ضمن كتيبة الحمزة ولواء جعفر الطيار. مع هذا اللواء شارك علاوي في معارك كثيرةٍ لتحرير ريف دير الزور من قوّات الأسد، ثم معارك أخرى دفاعاً عنه في وجه تنظيم "داعش". لتكون الحصيلة ستّ إصاباتٍ في جسده، أربعاً منها في المعارك ضدّ النظام واثنتين في المعارك ضدّ "داعش". يقود أحمد علاوي اليوم مجموعةً من أبناء دير الزور في ريف إدلب. وينتظر معهم، مثل آلاف المقاتلين الديريين، ولادة جسمٍ عسكريٍّ يجمعهم ويجعل من تحرير المحافظة من "داعش" ومن النظام أوّل أهدافه.

 

قبل أيامٍ كتبتَ على صفحتك الشخصية في موقع فيسبوك أنه لا يوجد حلٌّ أو طريقةٌ لتوحيد أبناء دير الزور إلا بعزل قادتهم أو قتلهم! ألا توجد طرقٌ أخرى؟

المشكلة في القادة، هم السبب الرئيسيّ في تشتتنا وضياعنا. قبل عامٍ عقد اجتماعٌ في مدينة أورفا  حضره أكثر من مئة قائدٍ ومقاتلٍ من أبناء المحافظة، وكنت مديراً للجلسة. تناوب على الميكروفون معظم الحضور، وكلّ واحد يقول أنا عندي مشروع وما عندي مشكلة بالوحدة لكني أعترض على فلان. توصلنا في النهاية إلى تفاهمٍ على تأسيس جيش أسود الشرقية، لكن لم يحدث أيّ شيءٍ بعد هذا الاجتماع، وبعد اجتماعاتٍ أخرى غيره، سوى خسارة آلاف الدولارات كتكاليف إقامةٍ ونقل للمجتمعين، وكذلك المشقة والإهانات التي لاقاها القادمون من سوريا أثناء عبورهم الحدود. عشرة أشخاصٍ هم المسؤولون عن تفرّقنا، يتنافسون في ما بينهم ويتناحرون لأسبابٍ شخصية، مما يدفع كلّ واحدٍ منهم باتجاه. ومعهم أيضاً يتحمّل بعض شيوخ العشائر مسؤولية ما يحدث، بسبب دورهم المخرّب والمتقلب والباحث عن مصالحه الشخصية فقط.

 

من هم هؤلاء العشرة؟

سأقول أسماءهم لكن لا تنشروها. ولا مانع عندي من اعتباري بينهم ان أراد أحدٌ ذلك. هؤلاء القادة يُفشلون أيّ مبادرة، ويضعون العوائق أمام أيّ جهدٍ للتوحيد، ولا يكفّون عن تبادل التهم بالفساد والتخاذل وربما اتهامات أخرى.

 

ماذا لو كانت هذه التهم صحيحة؟

من الممكن أن تكون صحيحةً في حقّ البعض، ربما واحدٍ أو اثنين من هؤلاء العشرة. وعلينا في هذه الحالة، وبعد توافر الأدلة المؤكدة والشهود، أن نستبعدهم ونعرّيهم ونفضحهم، وألا نجامل أيّ أحدٍ في ذلك. فقد مللنا من الكلام والتصريحات. نريد خطواتٍ عمليةً وأن نتناسى ما قمنا به سابقاً أو مفاخرنا وأمجادنا السابقة في هذه الثورة. نريد أمجاد تحريرٍ جديدةً تعيد كرامتنا وتعيد هؤلاء المشرّدين في المخيمات إلى بيوتهم.

 

في هذا الواقع، ما هو المتاح اليوم للمقاتلين من أبناء دير الزور؟ ما العمل؟

أن نبقى في ما تبقّى من المناطق المحرّرة في الشمال أو في درعا، ندافع عنها مع إخوتنا هناك، فهي ما تبقّى من الثورة. وإن راح الشمال، على سبيل المثال، راحت الثورة كلها. وعلينا أن نراجع أنفسنا ونحدّد عيوبنا وأخطاءنا السابقة. وعلينا ألا نستخفّ بـ"داعش" أو نتعامل معها بطيش، وأن نتحضّر جيداً لمعركتنا معها.

 

لم تذكر أيّ دورٍ سلبيٍّ للدول والأطراف الخارجية..

نحن فقط من نتحمّل مسؤولية هذه الحال. من الطبيعي أن تفكر كلّ دولةٍ بمصلحتها أولاً. لو كنا موحدين وصادقين لأجبرنا هذه الدول على الاستجابة لمصالح ثورتنا، ولكننا غير ذلك. ولم نستوعب بعد أن هذه الدول ليست غبيةً أو حمقاء لتصدّق ما نقوله لمندوبيها أو لتصدّق مزاعم بعضنا -على سبيل المثال- بأنه يقود ثلاثة آلاف مقاتلٍ وكلّ من معه من المقاتلين لا يزيدون عن الخمسة عشر.

 

كيف انتصرت "داعش" في محافظة دير الزور؟

اعتمدت "داعش" أوّلاً على كسب الولاء سرّاً من بعض القادة وبعض الكتائب والمجموعات، وكذلك بعض الأفخاذ أو العشائر؛ هذا ما حدث في البوكمال والقورية وموحسن وقرى الشعيطات والمدينة والريف الغربيّ. وعملت "داعش" على إثارة التنافس والفتن واستمالة مجموعاتٍ في كلّ قريةٍ لزعزعة الصفوف، وأذكر أنهم أرسلوا لنا مرّةً: "أنتم الشعيطات لماذا تقاتلوننا؟ نحن نريد معاقبة أهل الشحيل فقط". وكان لالتزام بعض الفصائل والكتائب الحياد دورٌ أيضاً. وكذلك خيانة قادةٍ ومجموعاتٍ وقفوا معنا في البداية وأصدروا بيانات تأييدٍ لنا ثم لم يلبثوا أن انقلبوا علينا ووقفوا إلى جانب "داعش" بعد ذلك.

 

إلى متى يمكن لداعش أن تبقى في دير الزور؟

تحاول "داعش" أن تضرب جذوراً عميقةً في مجتمع دير الزور، وتريد أن تعزل المحافظة عن العالم. قطعت الإنترنت، وتحاول منع الاستقبال الفضائيّ والتلفزيون، لتستفرد بالناس هناك وتقول لهم ما تشاء. وهي تركّز على الأطفال لأنهم مصدر قوّةٍ لاحقةٍ لها، وتأثيرها عليهم بدأ يظهر منذ الآن، فكلّ حينٍ نسمع عن فتيةٍ يفجّرون أنفسهم في عملياتٍ انتحارية. معركتنا مع "داعش" ليست سهلةً ويجب الإعداد لها جيداً. وألا نعتمد إلا على أنفسنا ولا نثق بالغير أو نتكل على التغطية الجوية لأنها لن تحسم المعركة، ولأننا يمكن أن نُخذل في أيّ لحظة. أنا على يقينٍ من أن "داعش" ستهزم في دير الزور، ولا أخاف من بقائها. إنما أخشى من المرحلة بعد "داعش"، إذ ستخلّف لنا خلايا ومتعاطفين معها، وكذلك ستنشط خلايا تابعةٌ للنظام، وسيعمل هؤلاء على خلق المشاكل، وأخشى أن يرجع عهد الفوضى والنهب والسرقات. لذلك علينا أن نفكر -إلى جانب العمل العسكريّ- في إدارة المحافظة، لأن تعثرنا في جميع المناطق المحرّرة يعود إلى غياب الإدارة. كان لاحتلال "داعش" دير الزور بعض الحسنات، إذ إن حقيقة هذا التنظيم انكشفت هناك ولم تبقَ أيّ أوهامٍ حوله. كان بعض الناس يقول لماذا تحاربون "داعش"؟ دعوها تعاقب اللصوص والحرامية... ولكن بعد أن سيطرت "داعش" وجدنا أن معظم اللصوص الكبار قد بايعوها وهم في صفوفها اليوم. وبعد "داعش" سنواصل ثورتنا ضدّ هذا النظام.

 

ألم تخفّف المذابح الفظيعة التي ارتكبتها "داعش" في حقّ عشيرة الشعيطات، وأنت منها، من حدّة عداوتك، أو تغيّر موقفك من النظام؟

أبداً، فأنا أعرف هذا النظام جيداً، ولن أغيّر رأيي أو موقفي منه. كنت مع الثورة وما زلت ولن أتخلى عنها. ولن أنسى شهداءنا الذين سقطوا في المعارك ضدّه. نعم، ما فعلته "داعش" فظيع ولكن هذا ما يريده النظام فعلاً، ويجب أن لا نتجاهل الخدمات والمنافع المتبادلة بين "داعش" والنظام. ثم إن الثورة ليست لعشيرتنا فقط أو لدير الزور، إنها ثورة البشر المظلومين في سوريا كلها. ولا نمنّ على أحدٍ أن دير الزور قد قدّمت وضحّت بما ضحّت به.

 

كيف ترى المستقبل، مستقبل هذه الثورة؟

لن تحقق الثورة أهدافها قبل أن نتوحّد ونكون على مستوى المسؤولية ونشعر بآلام الناس. صارت حياة السوريّ بلا قيمة؛ إما ميتاً أو مصاباً أو معتقلاً أو لاجئاً في البلدان يتحدثون عنه كأنه مخلوقٌ أدنى. أقول لكلّ من يعتبر نفسه ثائراً، وللقادة على وجه الخصوص: دعوا مصالحكم الشخصية ونزعاتكم جانباً واتقوا الله في الناس، في أهلكم الذين يعوّلون عليكم وينتظرون، وفي المشرّدين والنازحين الذين يحلمون بالعودة إلى بيوتهم.

 

في اليوم الذي تُهزم فيه "داعش" ويسقط بشار الأسد ماذا ستفعل أنت؟

أرجع إلى حياتي السابقة، وأمارس مهنتي التي أحبها في تعليم اللغة الإنكليزية في مدارس بلدتي.