في مدينة الباب..
جماعتان سريتان تعلنان وقوفهما وراء أعمال قتل طالت متهمين بالانتماء لداعش

في ساحة خلف «كراجات» مدينة الباب، عثر الأهالي في (30) من الشهر الماضي على (3) جثث لقتلى قضوا بطلقات في الرأس، عرّفت بهم أوراق ألصقت بأجسادهم واتهمتهم بالانتماء لتنظيم داعش، مبررة «القصاص» الذي أنزلته بهم جماعة «خفافيش الظلام».

بعد أيام، وبتوقيع جماعة أخرى سمت نفسها «طيور الأبابيل»، عثر على جثة بورقة كتب عليها «تم دعس الخارجي محمد سمير شموط، أبو يمان الساحلي». سوى سحب الجثث في الحادثتين الأولى والثانية لم تقدِم السلطات المحلية من مدنية وأمنية وعسكرية على أي إجراء. كذلك كان الحال في حادثة القتل الثالثة التي وقعت منذ أيام ولم تحمل هذه المرة توقيع أي جماعة.

تتحدى حوادث القتل هذه النظم والقوانين التي اعتمدتها السلطات المحلية الثورية، وتناقض في أهدافها الأهداف المعلنة التي جاءت بها عملية درع الفرات، وهي فرض سلطة القضاء والمحاكم المدنية بدل سلطة داعش التي اعتمدت أساليب مشابهة لما اعتمدته «الخفافيش» و«الأبابيل»، من حيث القتل بلا محاكمة تستند على وقائع وأدلة وشهود. وتتحدى هذه الحوادث أيضاً المشروع الذي تريد الحكومة السورية المؤقتة تنفيذه في منطقة «درع الفرات»، بدعم من الحكومة التركية، بجعل هذه المنطقة مثالاً ثورياً سورياً يعبّر عن العدل والأمان.

بعض الفصائل تنفرد بالبت في مصير عناصر تنظيم داعش الهاربين من دير الزور وقبلها الرقة، حيث يلقى القبض عليهم أثناء عبورهم حواجزها المنتشرة في ريف حلب الشرقي والشمالي، وأحياناً باعتماد وسائل بدائية عبر غرف تدقيق على برنامج واتس آب، أومن خلال الحدس والشك لدى العناصر المناوبين على الحواجز، ثم لدى المحققين في المقرات المعلنة والسرية للاحتجاز والتحقيق.  

كان هذا هو المشهد السائد خلال العام الماضي تقريباً، غير أن حوادث القتل الأخيرة أظهرت تصميم الجماعتين على مواصلة سعيهما بتصفية كل عناصر داعش والمتعاملين معها، حسب ما جاء في الأوراق التي تركتها الجماعة الأولى على جثث القتلى، «نحن خفافيشُ الليل في مدينةِ الباب الأبية، نعاهد أهلنا أننا لن نتركَ داعشياً، أو متعاملاً معهم، أو منافقاً لهم من دون حساب، أمثال (علي عفورة) وعصابته القذرة، ومن عمل معهم بالتصنيع، وتسيير أمورهم، وأعانهم في إجرامهم». وتوعدت بالمزيد لمن «خان دماء شهدائنا وتضحيات أبطالنا ويتاجر بكلاب داعش (بالدولار) لصالح مكاسبه الشخصية.. وسيكون الحساب من جنس العمل». وبالتدقيق في أسماء المقتولين، ومنهم من اعتقل في وقت سابق لدى فصائل مسيطرة في جرابلس، ثم تم تسليمه بعدها للمؤسسة الأمنية في المدينة، ليطلق سراحه بعدها؛ فهناك الكثير من الأحاديث الأهلية التي تفيد بكونهم من «المبايعين الأوائل للتنظيم» في مناطقهم.

تركت حوادث القتل انطباعات متناقضة لدى أهل مدينة الباب، فالبعض منهم رأى فيها عدالة وإحقاق حق، خاصة بعد نجاح عشرات الدواعش بالإفلات من المحاسبة علناً، وأبدى البعض الآخر من أهل مدينة الباب قلقه من أن تكون حوادث القتل هذه مقدمة لحالة فوضى وانفلات أمني، وجرائم أخرى قد تتعدى المتهمين بالانتماء لداعش إلى الأبرياء.

تنسب بعض التكهنات السائدة «جماعة خفافيش الليل» لفصائل من الجيش الحر، خاصة تلك الناشطة في منطقة جرابلس حيث يقع حاجز العون، أول الحواجز في منطقة «درع الفرات» بعد مناطق سيطرة «قسد»، وهو الحاجز الأصعب على عناصر داعش الهاربين الذين يحاولون التسلل ضمن جموع المدنيين المارة، وفي حالات كثيرة مرت عناصر خطرة من التنظيم عبر هذا الحاجز وغيره دون أن يكتشفها أحد، وربما بتسهيلات من بعض القادة النافذين في المنطقة، الذين يتهمون بتلقي مبالغ طائلة لقاء تهريبهم الدواعش.

حسب اللغة التي كتبت بها أوراق «الخفافيش»، وحسب الاسم الذي اختارته لنفسها، يستبعد أن تكون ذات طابع إسلامي، وعلى العكس دلت لغة «طيور الأبابيل» على خلفية إسلامية حركية راسخة، وكذلك دل اسمها.

يبقى التساؤل المطروح في الشارع حول ماهية هذه الجماعات والشكل الذي ستتخذه في المرحلة القادمة. وهل يشجع ظهورها وأعمالها على ولادة جماعات أخرى تنتهج الأسلوب السري العنيف ذاته؟.