في جلسة نقاش منذ سبعة أعوام جمعت الأب وابنه الذي أصبح ناشطاً صحفياً اليوم، كان "أسعد الشامي" يحمل كتاباً في يده بعنوان (في الصحافة)، ويسهر لساعات متأخرة من الليل عندما سأله أبوه "لماذا لا تلتفت لدارستك؟ عندك السنة الجاي بكالوريا"، رد الابن بكل هدوء "أنا أقرأ ضمن مجالي، وأتحضر له" هذه الإجابة دفعت الأب لضرب رأسه بكلتا يديه صارخاً "صحااافة! دمرت أملي بك، وأنا تمنيت أن تكون دكتور أو مهندس لأرفع رأسي بك أمام الناس" كما روى الناشط أسعد.

جهل الأب في مهنة الصحافة، واعتبارها عاراً لا يجلب رفع الرأس كالطب والهندسة، لم يكن إلا ردة فعل طبيعية لرجل عاش كل حياته في بلد يرأسها نظام دكتاتوري لعقود، حوّل في تلك الفترة أدوات الحرية إلى أمور ضحلة، وأبواق تنطق باسمه؛ فلم تكن دراسة الصحافة سوى همّ و"تعتير" ستفضي بصاحبها إلى البطالة، أو البحث لتأمين واسطة كبيرة للعمل في إحدى جرائد النظام، أو مواقعه الالكترونية -والتي لا تتجاوز العشر- لا تقدم ماهو جديد، ولا تتحدث بصدق حتى خرج المجتمع السوري من قراءتها بجملته المشهورة "حكي جرايد" وتعني في شبكة الشيفرات اليومية (لا تصدق).

ثورة 2011 فتحت المجال لانطلاق مرحلة جديدة كان الإعلام المعارض والبديل هو عمادها الأول، حيث فتحت المجال أمام ناشطين وصحفيين، ساهمو بدورهم في نقل الحقائق التي عمد النظام لتعتيمها فلم يفلح. فإمكانية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت متوفرة وسهلة الاستخدام جعلها منبراً لنقل الأخبار والأحداث اليومية المتعلقة بالثورة، كما انتشرت عشرات الصحف والمواقع المعارضة. لكن عدة عوامل حدّت من قدرة هذه الوسائل على أن تصبح الكلمة الفصل في نقل أخبار الشأن السوري. فضمن تصويت على صفحة فيس بوك، صوّت ناشطون ومدنيون بنسبة 70 % على أن الأعلام المعارض لم يستطع إثبات نفسه كمصدر موثوق للأخبار.

الصحفي (ماجد الحلبي) رأى أن هذه التصويت منطقي، حيث لم يتجاوز عمر الإعلام الجديد سوى سنوات قليلة، ونشأ في ظروف قمعية وغير مستقرة. وأوضح الحلبي أن أحد أسباب ذلك انتشار الأخبار الخاطئة، وعدم قدرة الإعلام على التأكد من صحتها، "لأنها تقع ضمن مناطق خارج سيطرتنا ومن الواجب علينا نقلها أيضاً، لكن بصيغة تخدم مصلحة الثورة، لأننا بالنهاية إعلام ثوري ولدينا قضية وحق".

"أتوقع أنه إذا حصل انفجار في واشنطن، فإن واشنطن بوست لن تتعامل معه بحيادية، وستنشر الخبر وفق مصلحة تخدم المدينة" يقول الحلبي. لكن "الفوضى والاستسهال وعدم وجود ضوابط -فالنشر على وسائل التواصل الاجتماعي ليس له ضوابط أخلاقية أو مهنية، إلا ما يحمله الشخص ذاته-" هو السبب في انتشار الأخبار الخاطئة، وعدم وصول الإعلام الجديد لمهنية عالية، وفق ما يرى الصحفي فؤاد عبد العزيز. موضحاً في حديث لعين المدينة بأن "الإعلام البديل، أو وسائل التواصل الاجتماعي، ما تزال غير قادرة على لعب دور وسائل الإعلام، لأن إمكانياتها محدودة جداً، لا يمكن مقارنتها بوسائل إعلام كبيرة تمتلك عدداً هائلاً من المراسلين والإمكانيات المادية".

بينما يتحدث مؤسس (منصة تأكد)، الصحفي أحمد بريمو، عن أسباب انتشار الأخبار الخاطئة باعتبارها تدخل ضمن الحرب الإعلامية التي عرفت منذ زمن، ومحاولة كل طرف من الأطراف المتنازعة بث إشاعات عن نفسه لإبراز هدف معين، أو عن غيره للتضليل وإخفاء الحقائق.

"غياب حق الرد إن صح التعبير، أو عدم القدرة أحياناً على التواصل مع الطرف المدعى عليه"، بحسب بريمو، هو عامل أساسي في انتشار الخبر دون التأكد من مصدره. ومشروع (منصة تأكد) ترجمة لنظرة بريمو إلى الإعلام وشكله الذي يطمح إليه، فعمل المشروع منذ تأسيسه، كجهة رقابية غير تنفيذية، على متابعة الأخبار ورصد الأخطاء وتصحيحها، عبر نفيها بالدليل، وترك حرية الاختيار للجمهور بأن يقاطع الوسيلة الإعلامية التي نشرت الخبر الخاطئ، أو الاستمرار بمتابعتها.

وترصد المنصة إعلام المعارضة والنظام، ووسائل إعلامية عربية وعالمية تنشر أخبار تتعلق بالشأن السوري، أو أخبار متداولة بين السوريين، فساهم بتصحيح العشرات من الأخبار، كما أصبح مصدراً للصحفيين للتأكد من خبر معين قبل نشره، أو الإطلاع على تفاصيل حدث جديد، كما شرح بريمو.

مع مرور الزمن اكتسب الناشطون خبرات جديدة رفعت من سوية الإعلام الحر، ومع ازدياد الدورات التدريبة ومشاريع تنمية المهارات، وانخراط إعلاميين متمرسين، استطاع الإعلام الثوري وضع حجر أساس لإعلام جديد مقبول يمكن العمل على تطويره.