عودة نازحين إلى مدينة الميادين.. من الفيش الرباعي حتى الالتحاق بميليشيا الدفاع الوطني

من مدينة الميادين - متداول على الانترنت

لا يخلو بال أي من العائدين إلى الميادين من الهواجس الأمنية التي تُرافقهم منذ لحظة اتّخاذ قرار العودة حتى الوصول إلى المدينة، شرق محافظة دير الزور حيث تُسيطر قوات النظام السوري والميلشيات المحلية والإيرانية، ثم تستمر إلى ما بعد ذلك بكثير.

شهدت الميادين موجات متعددة من نزوح سكانها، كانت الأولى بعد ظهور كتائب الجيش الحر في النصف الثاني من العام 2012وقصف قوات النظام المدينة. النازحون من مؤيدي النظام بعدها فضّلوا البقاء في المناطق التي يُسيطر عليها. لاحقاً، وبعد سيطرة داعش تموز 2014 على الميادين، طالت موجة النزوح عناصر وقادة فصائل وثوار وعاملين في الشأن العام باتجاه الشمال السوري وتركيا، حتى جاء النزوح الجماعي مع هجوم قوات النظام وإيران وميليشياتهما بدعم من الطيران الروسي تشرين الأول 2017.

فضّل النازحون هذه المرة قرى وبلدات الجزيرة في مواجه مدينتهم على الضفة اليسرى من نهر الفرات، وتابع قسم منهم باتجاه مناطق درع الفرات وإدلب، حيث يحاول اليوم عشرات من هؤلاء العودة إلى مدينتهم عبر السفر إلى دمشق. وهناك يبدأون، مع النازحين في دمشق، مراحل المخاطرة في التأكد من (نظافة) أسمائهم، انطلاقاً من دمشق وصولاً إلى أحيائهم التي تسيطر عليها الميليشيات.

يبدأ الراغبون بالعودة رحلة البحث والمخاطرة بمحاولة معرفة ما إذا كانوا مطلوبين لأحد الأفرع الأمنية عبر (ضرب فيش رباعي)، للتخفيف من مخاوفهم الأمنية، وعادة ما يكون هذا الفيش مأجوراً، وتختلف المبالغ التي يتقاضاها عناصر الدفاع الوطني والمُقرّبون من الأمن والشبيحة والسماسرة لقاء الفيش من شخص إلى آخر. المبلغ لا يتجاوز عادة المئة دولار أمريكي، لكن الكثيرين توصّلوا لقناعة تُفيد بأن الفيش وهميّ، أو أنه لا يحمل أي ضمانات للشخص من أن يكون غير مطلوب في منطقته، حتى إذا كانت (نتيجة الفيش سلبية).

يكشف المُتداول بين السوريين أن (الفيش الرباعي) يعني البحث لدى مكتب الأمن القومي بين أسماء المطلوبين لكل من الأجهزة الأمنية التي تشمل الأمن العسكري والأمن السياسي وأمن الدولة والمخابرات الجوية، ويبين إن كان الشخص مطلوباً لأحد هذه الأجهزة، أو للخدمة العسكرية.

عند الوصول إلى محافظة دير الزور هناك دخول إجباري إلى مدينة الدير، تختلف فيها الرّحلة بين الرجال والنساء: الرجال يتمّ اقتيادهم إلى مركز (الدفاع الوطني) في حي الجورة من أجل تفييش محليّ، وحسب الفيش تُقرر ميليشيا الدفاع عودتهم إلى الميادين من عدمها، كذلك في المركز يتمّ اقتياد من كانت لديه (نتيجة الفيش إيجابية) للاعتقال.

"الفيش الرباعي فخّ يقع به الراغبون بالعودة، كذلك باب رزق لسماسرة النظام" يقول أحد الذين لجأوا إلى التفييش ثم أعاد التفكير بأمر العودة، بعد أن توصّل إلى أن الأمر (سيفتح العيون عليه)، لأن الفيش "طريقة لكشف العائدين والتذكير بهم، إن كانوا قد سقطوا سهواً من قائمة المطلوبين" فالاسم (نظيف) بالنهاية، لدفع الراغبين للتورّط في الذهاب إلى مناطقهم ثم جمع أكبر عدد منهم لتجنيدهم.

الفيش الخاص بالنساء (يُضرب) في مطار دير الزور العسكري، لدى فرع المخابرات الجوية، الذي يقوم بوضع لصاقة على ظهر البطاقة الشخصية لمن كانت (نتيجتها سلبية)، تُسهّل اللّصاقة عملية تنقلها عبر الحواجز. في كلا الحالتين يُصادف اعتقال أشخاص جهدوا قبل العودة إلى ديرالزور للتأكد من (نظافتهم) عبر (الفيش الرباعي)، الذي لم يكن سوى أوهام باعها السماسرة وعناصر الأمن والشبيحة لأقاربهم ومعارفهم ومن يتّصل بهم لذات الغرض، كما يستنتج كثر من العائدين.

أحد العائدين دخل مدينة الميادين بعد العبور من تدقيق (الدفاع الوطني) اسمه، على ما يقول أقاربه، بعد يومين تمّ اعتقاله داخل المدينة واقتياده إلى خدمة الاحتياط في جيش النظام. يقول أحد أقاربه إن ذويه يرسلون له مبالغ مالية شهرية يدفعها كرشوة لأحد الضباط لعدم إجباره على قتال أحد، وينقلُ أقاربه أن من قام بضرب الفيش الرباعي له هو من سهّل عملية اجتيازه مركز (الدفاع الوطني) بالجورة، وذاته من وشى به لاحقاً لسوقه إلى خدمة الاحتياط في الجيش، بعد أن حصل على المال. لكن آخرين، نظراً لفرض التحاق أحد ذكور العائلة بقوى النظام وميليشياته، يلتحقون طوعاً بميليشيا الدفاع الوطني لاقتصار الخدمة فيها على المدينة حتى الآن.

لا يوجد إحصاء لأعداد العائدين إلى الميادين، لكنها مازالت في عداد البضعة آلاف جلّهم من مؤيدي النظام وبيروقراطيي مؤسساته ودوائره النازحين في دمشق، وأعدادهم في تزايد بطيء جداً، لكن الملاحظ منذ وصولهم بدء عملية تعفيش أهليّ لما تبقى من أثاث المنازل، كانت تتولى تعفيشها في السابق الميليشيات وقوات النظام.