- Home
- Articles
- Radar
عندما يقول فنانو النظام (لا)
يسارع نجوم الدراما السورية للحضور في وسائل الإعلام المحلية مؤخراً، أو للتصريح عبر صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، للتعبير عن انزعاجهم من الأزمة المعيشية التي يقاسيها السوريون حالياً، وعن تضامنهم مع الفقراء الذين باتت نسبتهم تزيد عن تسعين بالمئة من الشعب السوري في الداخل. ينتقي كل منهم جملاً يحاول أن يكون أكثر جرأة فيها من غيره، ويحاول بعضهم الترميز لكي يكون لوسائل الإعلام خاصة المعارضة منها، مساحة لتفسير التصريح، ورؤيته وكأنه ينمّ عن انقلاب في المواقف، أو عن ثورة دفينة داخل الفنان، وجدت اليوم الفرصة للإعلان عن نفسها.
من وائل رمضان إلى باسم ياخور وبسام كوسا وتولين البكري وبشار إسماعيل وسواهم، باتت أزمة الوقود والغاز والمواصلات وارتفاع الأسعار تمس حياتهم اليومية، وبات وفق ما يبدو لزاماً عليهم التعبير عن مواقف تبدو في ظاهرها مختلفة عن مواقفهم السابقة خالصةِ التأييد للنظام السوري، والداعية في بعضها إلى الانتقام من الشريحة المعارضة، وتحميلها مسؤولية الخراب في البلاد، لكن في واقع الأمر وإذا ما قرأنا هذه التصريحات بلسان قائليها لن نجد أي شيء مختلف فيها عن السابق.
يختبئ الفنانون الموالون اليوم خلف جرأة يعتقدون أنها تميّزهم أو تحميهم في سياق ما، فتشبيه سوريا بالصومال، أو الهجوم على تجار الحرب، أو فتح الجبهات واحدة تلو الأخرى ضد نقابة الفنانين، المؤسسة التي باتت "مفشّة خلق" بالنسبة لأي فنان يدرك أن ضرراً لن يصيبه إذا تهجّم على النقابة. من خلال هذه السلوكيات، يحاول هؤلاء لفت الأنظار إلى اختلافهم، وإلى أنهم أبناء هذا الشعب وليسوا أبناء نظامه السياسي.
اللافت فيما يجري هو المحاولات الدائمة لتمرير الحسرة على السابق، حيث تعتبر مقولة "وين كنا وين صرنا" والتي لعلّ أشهر قائليها هي أسماء الأسد ذاتها، التي لا ينكر أحد اليوم أنها تبتلع ما تبقى من اقتصاد البلاد، مرجعاً ومصدراً لكل مواقف النجوم التي تنتقد الراهن الاقتصادي، حيث تنتعش النوستالجيا في أقوى المواقف النقدية لصنّاع الدراما، فتجد باسم ياخور يتنقّل في فيديو تظهر واضحة تكلفته الإنتاجية ومدى اهتمامه به وبالرسالة التي يريد توجيهها من خلاله، بين شوارع الشام، وتفاصيلها، حاملاً ألف ليرة، ليجد كل شيء قد ارتفع سعره ولم تعد تلك الألف قادرة على شراء شيء ذي قيمة، ولكنه مع ذلك يحن للبساطة ويستطيع بتلك الألف أن يقيم مأدبة شواء خالية من اللحوم.. ولمَ لا؟ يمكن بالأف ليرة شراء القليل من البطاطا والبصل وشواؤها على الفحم والاستمتاع بمذاقها، في ظل موجة حنين لماضي البلاد المجيد الذي لا زال بالإمكان استرجاعه.
من الفنانين أيضاً من يعبّر بشكل واضح وجلي عن أن موقفه المتذمر من الواقع لا يعني بشكل أو بآخر أي اختلاف في موقف السياسي المعلن سابقاً، مثل الفنان وائل رمضان، الذي لم ينقطع منذ أزمات الغاز الأولى عن التعبير عن مدى استيائه من التدهور الاقتصادي والفساد وسواه، ولم يتخلَّ أيضاً عن ظهوره بين حين وآخر بين مجموعة مقاتلين، أو حتى ميليشيات مرتزقة، بلباس عسكري أو مدني، يربت على أكتافهم ويشجعهم على مزيد من ”النضال لاستعادة الأرض وصون البلاد من الخطر المحدق“.
من خلال هذا النقد الاستعراضي، يحاول الفنانون تأكيد قربهم من الناس، وبأنهم مواطنون عاديون، يتأثرون بالأزمات كغيرهم، ثم يذهب كل منهم لأداء دوره أمام الكاميرا، راضخين لخيارات شركات الإنتاج المتبقية التي يرعاها ويمولها كبار تجار الحرب اليوم، والمسؤولون الكبار عن أزمات الوقود والغاز والسكر والشاي، وعملاء إيران في دمشق، فيؤدّون المطلوب منهم على أتم وجه، ويغسلون وجوههم من المكياج عند خروجهم من مواقع التصوير، ويعودون إلى منازلهم، فيعبّر كل منهم عن سخطه الذي بدأ بـ"محافظ حمص“ وانتهى بالوزراء الفاسدين و“دواعش الداخل“ الذين تسببوا بكل هذه الكوارث في البلاد. ودون أن يرف للفنان جفن.