عملات متعددة في مناطق المعارضة

"لك أخي والله حيرتني معك، يعني برأيك لازم أحمل بجيبتي دولار وليرة تركية وليرة سورية لأشتري كيلو بندورة!؟“ 

هكذا كان رد محمد الحلبي، النازح من مدينة معرة النعمان، على أحد البائعين عندما أراد محمد أن يشتري منه بعض الخضار، واختلف الاثنان على فرق تصريف العملة ما بين السورية والتركية، بعد أن تعدد التعامل بالعملات في مناطق سيطرة المعارضة، لا سيما الليرة السورية والتركية، والدولار بنسبة أقل.

يقول محمد لـ“عين المدينة“: "هذه هي المشاكل التي طرأت حديثاً على الساحة، وكأن المواطن لا يكفيه كل هذه المصائب، كل مرة نريد أن نشتري بعض الحاجيات ندخل في دوامة التصريف والتنقل بين العملات المتداولة ونتعرض للغبن من قبل التجار والصرافين والبائعين، ولا حسيب ولا رقيب عليهم". يؤكد محمد أنه ومع استبدال الليرة السورية بالتركية في المعاملات المالية، كان لابد من اتخاذ إجراءات قبل البدء بتلك العملية، كأن يتم ضخ كميات كبيرة تغطي كافة التعاملات السوقية في المناطق المحررة، وأن يتم فرض رقابة على التجار والصرافين، وتسعير المواد بالعملة الجديدة، والأهم "أن تدفع رواتب العمال والموظفين بالليرة التركية".

كانت الحكومة المؤقتة في ريف حلب الشمالي قد أعلنت طرح الليرة التركية في حزيران من العام الحالي، وكذلك مشت على خطاها "حكومة الإنقاذ" في محافظة إدلب. السبب المعلن لهذا الطرح بحسب الحكومتين هو "حماية المواطن من تدهور الليرة السورية"، وكان التعامل بالليرة التركية قد لاقى ترحيباً واسعاً من الأهالي في بداية الأمر. ولكن عدم تحديد عملة ثابتة واحدة للتعامل، وبقاء شريحة واسعة من الأهالي تتعامل بالليرة السورية، جعل الأمر ينعكس سلباً على الأهالي وبدأت المشاكل بالظهور، خاصة مع الاستغلال الذي يتعرضون له في كافة مجالات التعامل المالي.

محمد الأحمد من سكان المخيمات يقول لـ“عين المدينة“: "قد يظن البعض أن تعدد العملات شيء إيجابي، ومن خلاله يمكن أن تتعامل بالعملة التي تناسبك، ولكن فروقات التصريف بين العملات والتي يحدد هامش ربحها الصراف أو التاجر على حسب هواه، يجعل الأمر أكثر صعوبة ويثقل كاهل المواطن. أصبحنا مجبرين أحياناً أن نحمل في جيوبنا ثلاث عملات أو عملتين على أقل تقدير، فهذا البائع لا يقبل التعامل بالليرة السورية وهذا لا يقبل إلا بالدولار الأمريكي، وتدخل في متاهة تحتاج صبر أيوب لتنتهي".

ويضيف الأحمد: "أنا أعمل في منظمة وأتقاضى راتبي بالدولار الأمريكي، ولكنني أضطر إلى تحويله إلى قسمين، قسم إلى الليرة التركية وقسم إلى الليرة السورية، لأتمكن من التعامل مع أهواء التجار والبائعين".

من ناحية أخرى، يرى الصرّاف سالم قلعجي أن تعدد العملات ناحية إيجابية بالنسبة للسوق بشكل عام، وبالنسبة للصرافين بشكل خاص. يقول سالم لـ“عين المدينة“: "نحن كصرافين من مصلحتنا أن يكون هناك تعدد في العملات المتداولة بين الأهالي، سيقومون بالتصريف والتنقل بين العملات بحسب حاجتهم للتعامل، وهذا يعود علينا بالنفع ويجعل السوق في حركة دائمة".

ويضيف قلعجي: "ألاحظ ميول الشريحة الأوسع من الأهالي إلى تحويل العملة التي بين أيديهم إلى الدولار الأمريكي في المرتبة الأولى، ومن ثم تأتي الليرة التركية في المرتبة الثانية". ويعزو القلعجي ذلك إلى ثبات الدولار، في حين يتغير سعر صرف الليرة التركية باستمرار. ويبدي القلعجي رغبته بتوحيد التعامل في المحرر بعملة واحدة مستقرة، لأنه في النهاية "مواطن.. وأتعرض لمشاكل تعدد العملات كغيري".

من جهته يقول الأستاذ خالد تركاوي الباحث في مركز جسور للدراسات، إن تعدد العملات في المناطق المحررة "أمر واقع أكثر من كونه قضية اختيار، فمع تطور الظروف باتجاه انهيار سعر صرف الليرة السورية كان لا بد من الاتجاه للتعامل بالدولار أو اليورو أحياناً. وواقع الانفتاح على تركيا باعتبارها المنفذ الوحيد في المحرر إلى العالم، كان يدفع باتجاه التعامل بالليرة التركية". و يردف: "لا يمكننا أن ننكر أنه كان هناك مطالبات من الأهالي باستبدال الليرة التركية بالليرة السورية بسبب انهيار الأخيرة".

ويرى تركاوي أن لموضوع تعدد العملات في المحرر جانبان، أحدهما إيجابي والآخر سلبي، أما الجانب الإيجابي فهو أن السوري في المحرر مازال قادراً على التعامل مع مناطق متعددة من استيراد وتصدير، كمناطق النظام ومناطق "الإدارة الذاتية" أو تركيا، وكذلك فإن العملة التركية "أسهل في التعامل ما بين تركيا والمحرر، ويمكن تحويل أي مبلغ بالعملة التركية إلى المناطق المحررة عن طريق مراكز البريد التركي (PTT) وبتكلفة قليلة، وهذا ما يسمى بالتعامل الأبيض".

أما بخصوص الجانب السلبي لتعدد العملات فيقول تركاوي: "من أبرز سلبيات تعدد العملات أن التاجر يستغل الأمر لصالحه، فمرة يعاملك بالدولار ومرة بالليرة التركية، و يضع لنفسه هامشاً من الربح يرضيه هو فقط. ويمكن أن نذكر سلبيات التحويل بين العملات، فهو مربك لغالبية الأهالي، وسيضطر المواطن لمعرفة أسعار التصريف لاثنتين من العملات على أقل تقدير“.

وينوه تركاوي إلى أن أمر الجزئيات أو وحدات العملة الصغيرة، كالقرش بالنسبة لليرة التركية، أو السنت بالنسبة للدولار، من أهم سلبيات تعدد العملات، فعدم وجود كمية كافية من هذه الوحدات الصغيرة يجعل تسعير السلع بين الليرة السورية والليرة التركية أو الدولار صعباً، و"غالباً لا يوجد باقي أو ما يسمى بالعامية الـ(الفكة)".

و بحسب تركاوي فإن هذه المسالة ليس لها حل في الوقت الراهن سوى أن يكون هناك دولة مستقلة للسوريين، لديها بنك مركزي وإدارة موحدة تدافع عن عملة الدولة، وفي حالة المناطق المحررة في الشمال، فيرى أن من الضروري "أن يكون هناك إدارة مستقلة تضبط التعامل وتوحد العملة".