عشرات ملايين الليرات إلى جيوب ضباط النظام شهرياً: من (تفييش) المجندين ورشاواهم

من الإنترنت

مع التوقف النسبي والمؤقت للمعارك التي يفتتحها النظام، والتوقف التام لمهنة أدرت على ضباطه وعناصره ثروات طائلة، لعدم وجود مدن وبلدات وقرى جديدة يكتسحونها، والمقصود هنا "التعفيش" وما يرتبط به من عمل في حصر المسروقات وجمعها ونقلها وفرزها وبيعها.. مع توقف كل هذا، يعود الضباط إلى ما تعلموه في مقررات أنظمة الخدمة للجيش الأسدي لخمسين سنة، من "التعفيش" إلى "التفييش".

عندما سيق عبد الكريم (اسم مستعار لشاب من دمشق) إلى الخدمة الاحتياطية في جيش النظام السوري وجد نفسه في ورطة لا يحمد عقباها. ولأن اقتياده إلى الجيش كان بعد سنوات من التواري بمدينة دمشق -حيث تقيد بإجراءات مشددة خلال تحركاته داخل العاصمة لكن دون جدوى- أخذ يبحث عن حل للتملص من الخدمة، فكانت تسوية الوضع أو ما يسمى ب"التفييش"، هي الخلاص.
 
عرفت ظاهرة التفييش قديماً داخل الجيش السوري، سواء في زمن الأسد الأب أو الابن. وتعني دفع المجند دورياً رشوة كبيرة للضباط كي يتغاضى عن غيابه عن القطعة العسكرية، ليقضي معظم فترة خدمته الإلزامية في المنزل، بحضور رمزي كل شهر، لدفع "المعلوم".

 ويبدو أن توقف المعارك فتح شهية ضباط النظام نحو إعادة العمل بهذا "الإجراء"، لكن بتقاضي مبالغ ضخمة يبلغ متوسطها نصف مليون ليرة سورية شهرياً، وبهذه الطريقة يحصل الضباط على عشرات ملايين الليرات، في حين لا يتقاضون سوى مبالغ زهيدة كرواتب، يمنحها النظام بشكل غير منتظم.

 ضباط جشعون

يدفع عبد الكريم مبلغ 600 ألف ليرة شهرياً للضابط المسؤول، وتمكن بهذه الطريقة من العودة إلى المنزل وممارسة حياة طبيعية، بحسب ما يؤكد خلال حديث لعين المدينة. يضيف بأنه كان يفكر بعد وقوعه في قبضة حاجز للنظام خلال ذهابه إلى السوق، ثم سوقه إلى الجيش، بالهرب نحو مناطق المعارضة في الشمال، لكن "فرصة المكوث في دمشق والتخلص من أعباء الخدمة بدفع المال كانت حلاً ملائماً".

 يشير عبد الكريم إلى وجود عشرات المجندين سواء من الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية، ممن دفعوا مبالغ كبيرة لقاء حصولهم على "الحرية". ويتابع بأن المبالغ المدفوعة تتراوح بين نصف مليون والمليون ليرة شهرياً.

 ويروي عبد الكريم قصة أحد معارفه الذي تزوج حديثاً لكن حظه العاثر أوقعه في قبضة أحد الحواجز الطيارة وسط العاصمة: "كان متخلفاً عن الخدمة.. أمضى قرابة الشهر داخل قطعته العسكرية، ثم دفع 600 ألف ليرة، وعاد إلى عروسته.. وهو مضطر لدفع هذا المبلغ كل شهر إلى حين تسريحه من الخدمة".

 وفيما يقبل عبد الكريم وزملاؤه بدفع هذه المبالغ، يضطر شبان آخرون إلى رفض عروض مغرية مثل هذه، نظراً لضخامة المبالغ، فنصف مليون ليرة يعادل رواتب سبعة موظفين في الحكومة عن شهر كامل. يشير عبد الكريم إلى أن "الضباط جشعون وطماعون، هذا طبع قديم يعرفه كل من خدم في الجيش.. بعضهم لا يقبل بأقل من مليون ليرة شهرياً للسماح للمجند بالعودة إلى المنزل".

 رشاوى عن أي شيء

يُعدّ طلب الرشاوى بشكل مباشر أو ضمني، أحد مظاهر البيروقراطية التي كرسها النظام في الدوائر الحكومية، دون أن تستثني القوات المسلحة التي أوجد ضباطها أصنافاً جديدة من الرشاوى.

 ويحتاج أي مجند في الجيش إلى دفع المال لقاء الحصول على أصغر الخدمات التي تبدأ بالحصول على طعام من البوفيه، وصولاً إلى الإجازات الصغيرة التي تتراوح بين يوم وثلاثة أيام، وانتهاء بتسوية وضع المجند، وصرفه إلى المنزل؛ ولكل خدمة تسعيرة خاصة.

 ومن الخدمات التي كانت سائدة قبل الثورة، ويبدو أنها عادت إلى الوجود، فرز العنصر إلى ثكنات أكثر راحة، كأن تكون قريبة من مكان إقامته، أو في المدن الكبرى، أو نحو مناطق بعيدة عن المعارك، ويدفع المجندون مبالغ لا تقل عن 150 ألف ليرة وحتى نصف مليون لقاء الحصول على فرز جيد ومريح، أو إجازة لمدة يوم أو يومين.

 كما عرف جيش النظام كيف يستفيد من الملتحقين بالخدمة العسكرية ممن لا يستطيع دفع الرشاوى الكبيرة والدورية، إذ ينظر ضباطه إلى هؤلاء كأجراء أو عبيد يستخدمونهم في تحقيق أعمالهم الخاصة، سواء في قيادة السيارة وتوصيل الأولاد إلى المدرسة، أو في دور الحاجب الذي يغسل الصحون ويصنع الشاي والقهوة؛ ما يثير الاستياء هنا، هو أن هذه الخدمات مدفوعة، وبأسعار كبيرة تقارب أسعار التفييش، بل ويتنافس بعض المجندين عليها، وأحيانا يتفاخرون.