لا شك أن أيام الشيخ عبد القادر نديم الشهابي الأخيرة ليست على ما يرام، بعد طرده من وظيفته مديراً لأوقاف حلب، ثم الحجز الاحتياطيّ على أمواله وأموال زوجته المنقولة وغير المنقولة، وإحالته إلى المحاكمة، فضلاً عن التشهير به كنموذجٍ للمسؤول الفاسد في بعض وسائل إعلام النظام، عقوبةً على قرارٍ متسرعٍ اتخذه بهدم جامعٍ أو أجزاء منه، دون الحصول على موافقة مديرية الآثار والمتاحف.
مفاجئةً كانت تلك القرارات للشيخ الذي لم يألُ جهداً في الدفاع عن النظام منذ اندلعت الثورة قبل خمس سنوات، من على منبر جامع الهدى الذي كان يخطب فيه في حيّ سيف الدولة، ومن جامع والده الشيخ نديم في حيّ المحافظة. وفوق خطبه وكلماته التي تجعل الثائرين على النظام "عملاء ومأجورين" كان مستعداً -في أوقات انفعاله- للتلويح ببندقيةٍ زوّده بها أحد أفرع المخابرات، تعبيراً عن استعداده للقتال ضد "المتآمرين على البلاد".
بل وفي مرّاتٍ، خارج أوقات الصلاة والدروس، وعندما يكون جوارُ جامع الفتح في حيّ المحافظة هادئاً، والناس في قيلولةٍ قائظة، يعنّ على بال الشيخ عبد القادر أن يستشيط غضباً على السكان عبر مكبّر الصوت الخارجيّ، ليلقي محاضرةً خاطفةً هي أقرب إلى توبيخ كلّ من يصل إليه الصوت على انعدام حسّ المسؤولية في هدر التيار الكهربائيّ، الذي توفره "الدولة بمشقة"، في ترف التكييف والإنارة الزائدة.
يصعب تصوّر الحال التي يمرّ بها عبد القادر الشهابي مع الصفعة غير المبرّرة بالنسبة إليه من النظام. ويصعب عليه تصديق أن مجرّد خطأ شكليٍّ وقع فيه أدى إلى الطرد وحجز الأموال والمحاكمة، في ظلّ الفوضى والتجاوزات الهائلة –والضرورية، حسب الشيخ- على كل ما يمتّ إلى القانون بصلة. وليس سوى الصدفة والحظ العاثر هي ما دفع به ليكون العبرة التي يريد النظام أن يعتبر بها محكوموه وموظفوه ويذكّرهم، بين حين وآخر، أنه ما يزال يمثل "الدولة" باهتمامه بشكلياتٍ لم يعد يهتمّ بها أحد.
قبل عشرين عاماً وأكثر، عندما كان عبد القادر شيخاً متدرّباً في كنف أبيه الصوفيّ، لم تصدر عن الابن حماقاتٌ كثيرة، ولم يبدُ وقتذاك أنه في صدد إطلاق اشتقاقٍ خاصٍّ عن هذا الأب الشيخ التقليديّ. لكن عبد القادر وقع -حسب ما يفسر بعض من يعرفه- في مصيدة مفتي الأسد الحلبيّ أحمد حسون، متصاعد التأثير منذ اندلاع الثورة في طبقةٍ من المشايخ الجدد في مدينة حلب. ورغم اقترابه من سنّ الخمسين جاء وقوعه هذا على صورة "ولدنةٍ" حمقاء ومتأخرة، تفارق نموذج والده الشيخ المؤيد للنظام بتحفظ، الذي يعدّ الثورة فتنةً يجب تجنبها بالركون إلى جوار السلطان، وتطابق هيئة "الشبيح" المتطرّف.
سيسوّى الأمر، وتمرّ محنة الشيخ الأحمق بتبعاتٍ قليلة، ولن يتعظ أو يتفكر ولو قليلاً بموقفه الآثم كله، بل سينشغل بالتفاصيل التافهة والخصوم المباشرين. ولاحقاً، بعدما يسقط الأسد، سيتيه رأي الولد أكثر مما هو تائهٌ الآن، ويحتار، كما سيحتار من يريد محاكمته.