خيرات الخولي في الدائرة الحمراء
في شارعٍ متفرّعٍ عن ساحة النجمة بوسط دمشق، يقع مكتب شركة العقيلة، في بناءٍ فخم. لوحةٌ أنيقةٌ تشير إلى الاسم لا تعرّف المارّة بما يكفي عن هذه الشركة التي تبدأ حكايتها من نهاية العام 2007، في أوج حكم بشار الأسد، حين أسّسها رجل أعمالٍ كويتيٌّ هو عبد الحميد الدشتي،
مع شركاء سوريين يدورون في فلك رامي مخلوف. والدشتي هذا موالٍ كبيرٌ لحزب الله وإيران وآل الأسد. ينتمي إلى الطائفة الشيرازية، وهي أكثريةٌ في وسط شيعة الكويت. ويتحدّر من أصولٍ فارسية. ويعدّ واحداً من أكثر الشخصيات إثارةً للجدل في الكويت، إذ يستغلّ مناخ الحرية النسبية المتاح هناك فينشغل بقضايا سياسيةٍ متنقلاً بين أحوالٍ مختلفة، من مطلوبٍ للقضاء بتهم فسادٍ إلى نائبٍ برلمانيٍّ وشخصيةٍ عامةٍ ذات حضورٍ ورأيٍ في شؤون محليةٍ وإقليمية. ثم لا يلبث أن يهدأ مدّةً وجيزةً ليخوض بعدها صراعاً مالياً، يظهر على الصحف، مع شركاء له من ذات التابعية الإيرانية أحياناً، أو يطلق حملةً عامةً ذات أهدافٍ سياسيةٍ، مثل ترؤسه لحملةٍ تناصر المعارضة البحرينية.
في سوريا عملت العقيلة في حقول التأمين والاستثمارات الفندقية والعقارية. وحصلت على عقودٍ كبيرةٍ، مثل مشروع توسعة مقام السيدة زينب، المموّل إيرانياً، وتطوير البنية السياحية في وادي النصارى في ريف حمص. ومن هذا الوادي ظهر رجلٌ طموحٌ يسمّي نفسه (خيرات الخولي)، كبديلٍ أرقى من الاسم الحقيقيّ (خير الله أسعد الحولي)، وجد في العقيلة والدشتي فرصةً لا تعوّض. فدخل بدايةً كسمسارٍ محليٍّ ثم كشريكٍ صغيرٍ، لينقضّ أخيراً، وفي عملية احتيالٍ كبرى، على معلمه الكويتيّ، ويستولي على جزءٍ مهمٍّ من الشركة. فيستشيط الدشتي غضباً، ويشنّ حملات تشهيرٍ وتظلّمٍ ضدّ الخولي، ويحرّك دعاوى كبرى ضدّ هذا الخصم الصاعد، وكذلك يفعل الخولي. ويلجأ الطرفان إلى محمد مخلوف (والد رامي) الذي يتمهّل مستغلاً الاثنين، ثم يميل لصالح الخولي ويطلقه كرجلٍ من رجاله ودميةٍ من الدمى الاقتصادية النامية بسرعةٍ في سوريا آنذاك. دون أن يؤثر هذا الانحياز الظالم على موقف الدشتي وولائه الثابت نحو (الأسد، إيران، حزب الله).
ولتخفت بعد ذلك حدّة المواجهة. ويلوذ الدشتي المهزوم بالصمت. ويتابع الخولي صعوده، فيستحوذ على ممتلكاتٍ واسعةٍ في المنطقة ذات الطبيعة الجميلة في وادي النصارى، ويتقرّب من رجال الدين المسيحيّ ببناء كنيسةٍ وتمثالٍ مرتفعٍ للسيدة العذراء هناك، ويترأس - في نشاطٍ عامٍّ لازمٍ لمثل هذه الشخصيات - نادي الوثبة الرياضيّ في مدينة حمص.
بعد الثورة نشط الرجلان، كلٌّ من موقعه، في الدفاع عن نظام الأسد. فانضم الدشتي إلى قائمة الأبواق التلفزيونيين التي تتحدّث عن مؤامرةٍ تحاك ضدّ محور المقاومة. ونظّم الخولي مجموعةً خاصةً من الشبيحة، يشرف عليها ابنه شجاع. ونشط كلاهما في الشبكة المالية التي موّلت النظام ووفّرت له الغطاء اللازم للتهرّب من العقوبات الدولية. وفي آخر أعمال الرجلين ظهر الخولي إلى جانب بشار الأسد أثناء زيارته الأخيرة لمعلولا، وقام الدشتي باستئجار طائراتٍ خاصةٍ لنقل مؤيدي الأسد في الكويت لينتخبوه في دمشق.