أكثر من عامٍ مرّ على ما يسمّى مجازاً "تحرير" ريف دير الزور وجزءٍ من مدينتها. يتمثل هذا التحرير، في أذهان العديد من الناس، بعدم رؤية الزيّ العسكريّ الخاصّ بقوات الأسد (الجيش – الأمن)، وهذا بالطبع إنجازٌ كبيرٌ للمعارضة السورية، إلا أن حال المناهج التي يتم تدريسها الآن في هذه المناطق لا صلة لها بالمعنى الحرفي "للتحرير".
التقت "عين المدينة" بمجموعةٍ من أصحاب الاختصاص، لإلقاء الضوء على هذه الظاهرة التي تؤرّق الكثير من الأهالي والعاملين في القطاع التعليميّ. السيد معاذ الفرحان، معلمٌ مفصولٌ من الوظيفة في القورية، حدثنا عن حال المناهج فيما يتعلق بارتباطها بالنظام السابق، فقال: إن ارتباط المدارس عموماً بمؤسسة التربية التابعة للنظام، فيما يتعلق بتسجيل الطلاب واعتماد المناهج والامتحانات ورواتب المعلمين وتعييناتهم، بعد عامٍ من التحرير؛ يؤكد، بشكلٍ لا يدعو إلى الشك، أن تحرير التعليم عمليةٌ لم تتمّ بعد. وبعيداً عن تقييمها العام، فإن المناهج السورية حوت، عبر العقود الأربعة السابقة، على الكثير مما يرتبط بحزب البعث وبحافظ الأسد وبعده بشار الأسد. فمثلاً مادة القومية أو التربية الوطنية في كلّ الصفوف الدراسية هي مادةٌ موجودةٌ بقصد تمجيد الأب القائد وكل ما له علاقةٌ به. وبسبب ارتباط الامتحانات بالنظام إلى الآن، فإن الطلبة في المناطق المحرّرة يدرسون هذه المادة، بين المقرّرات المطلوبة لنيل الشهادتين الإعدادية والثانوية، بكل ما فيها! وإن عدم قدرة المعارضة حتى الآن على تنظيم الامتحانات بشكل ملائمٍ يخفّف من هواجس الطلبة وقلقهم حول مستقبلهم الدراسيّ، جعلت عدد الذين يتقدّمون منهم لامتحانات الائتلاف قليلاً نسبياً، مقارنةً بأعداد طلبة الشهادتين الإعدادية والثانوية، مما يجعل هذه المادة المقيتة جزءاً أساسياً من المنهاج الدراسيّ، ومن المجموع العام للطالب.
وفي بقية المراحل يكاد لا يخلو كتابٌ من كتب الطلبة الآن في ريف دير الزور المحرّر من إشارةٍ تمجّد الدكتاتور الأب والسفاح الابن. يكفي أن طالب الصف الأول الابتدائي يفتح أول صفحةٍ من كتاب اللغة العربية على نشيد حماة الديار، وهو النشيد الذي يمجّد الفصيل الذي يقتل أطفالاً آخرين في عموم سوريا، هم وأهليهم! وحتى المرتبط بالثورة من المعلمين لا يجرؤ على تمزيق أو حذف هذه الفقرات من المنهاج، بسبب الخوف من المرتبطين بالنظام في إدارات المدارس أو في المجمّعات التربوية. لأن أيّة اشارةٍ من هذا القبيل قد تتسبب في إيقاف الراتب، أو التعرّض للاعتقال في حال التردّد على مناطق النظام.
وعن تأثير ذلك على الطلبة، وبالأخصّ في المراحل العمرية المبكرة، كالحلقة الأولى من التعليم الأساسيّ؛ تحدثت المعلمة سعاد شاهين السيد لـ"عين المدينة" بالقول: حين يشاهد الطفل في الصف الأوّل الابتدائي إعلام المعارضة في المنزل، ويرى ما يحدث في سوريا اليوم من دمٍ ودمار، ثم يأتي إلى المدرسة ليحفظ نشيد حماة الديار، أو في الصف الثاني وعليه أن يختار إجابةً من ثلاثٍ، كما ورد في الكتاب: حافظ الأسد هل هو: 1- بطل؛ 2- عالم؛ 3- شاعر... ماذا يمكن أن يكون تأثير ذلك على الطفل؟ في المناطق الخاضعة للجيش النظاميّ هذا أمرٌ اعتاده الصغار بحكم حالة القمع التي يدركها الصغار والكبار، أما في مناطقنا فمن حقّ الطفل أن يسأل نفسه (وكذلك الآباء) لماذا عليه، بعد عامين من التحرير، أن يمجّد السفاح والنظام القميء الذي يرأسه؟ وكذلك طالب الإعدادية أو الثانوية.
وفي ظل غياب أفقٍ واضحٍ وإطارٍ زمنيٍّ للحل في سورية، لا بدّ من السعي لمعالجة هذه القضية، ويصبح التعليم والمناهج الدراسية وتسوية أمور المدارس في المناطق المحرّرة أولويةً من أولويات الحكومة الحالية.