طريق الغرق إلى أوروبا

 متري شكّور | هامبورغ

من موقع giornalettismoمن موقع giornalettismo

من موقع giornalettismo

من موقع cronaca razzismo

من موقع cronaca razzismo

عدسة monica frassoni

عدسة monica frassoni

لا توجد أرقامٌ تعبّر بدقةٍ عن أعداد السوريين الذين يحاولون السفر الى أوروبا الغربية، ولكن التقديرات تصل إلى عشرات الآلاف. تمكّن بعضهم من الوصول إلى

مقصده، وما يزال البعض الآخر عالقاً إما في تركيا أو في اليونان أو في الغابات الصربيّة. وقد أقدم بعضٌ من هؤلاء على هذه المغامرة بالسفر بحراً، لتقع العديد من حالات الغرق المأساوية.

في منتصف شهر أيلول أثارت كارثة لامبيدوزا الإيطالية الرأي العام العالمي، فقد غرق على إثرها ما يزيد على ثلاثمائة مهاجرٍ لم يسعفهم مركبهم المتهالك على إتمام طريقهم إلى الجزيرة الإيطالية. ثم لم تمض أيامٌ على تلك الحادثة إلا وابتلع البحر مجدّداً ما يقارب المائة، في حادثةٍ أخرى على أبواب الحلم الأوروبي، كان جلّهم من السوريون. ليفتتح ملفٌ آخر للمأساة السورية المديدة.
في أحد مخيمات اللاجئين في مدينة هامبورغ الألمانية يقبع سوريون هربوا من المحنة العظمى التي ألمّت ببلادهم وحيواتهم، ينتظرون قرارات دائرة الهجرة على أمل منحهم اللجوء. رووا لنا قصصهم وظروفهم في وطنهم، وطريقة وصولهم غير الشرعية إلى الأرض الألمانية.
يتحدّث فادي عن تفاصيل الرحلة التي أوصلته إلى ألمانيا، قائلاً: بعد الاتفاق مع مهرّبٍ خرجنا من مدينةٍ تركيةٍ ساحليةٍ عبر زورقٍ مطاطيٍّ إلى جزيرةٍ يونانية. وقمنا هناك بتسليم أنفسنا للشرطة اليونانية، التي سجنتنا سبعة أيامٍ ثم أطلقت سراحنا بعد نقلنا إلى أثينا. لنتواصل مجدداً مع المهرّب الذي طلب منا الذهاب إلى جزيرة كريت، فغادرنا أثينا إلى كريت، ليتسلّمنا من هناك أحد المهربين الذي وضعنا في منزلٍ ليأخدنا في الليلة التالية بسياراتٍ مغلقة، ثم بقاربٍ، إلى جزيرةٍ لا نعرفها، ولنمشي ليلاً على حافةٍ جبليةٍ وصولاً إلى كهفٍ عميقٍ في الجبل، ولندخل فيه مستدلّين بمصباح يدوي لأحد المهربين، بعد أن تمت مصادرة أجهزة الموبايل التي بحوزتنا. بقينا في هذا الكهف لمدة 25 يوماً، مُنع علينا فيها الخروج في النهار. وكان الغذاء اليومي مؤلفاً من بيضةٍ أو حبّة بطاطا، نشرب القليل من الماء، ونقضي حاجتنا في براميل بلاستيكية نفرغ محتواها في ظلام الليل خارج الكهف. ويُعاقب المعترض على أي شيءٍ ببضع لكماتٍ وضربات عصيٍّ من أزلام المهرّب السوريين.
في الخمسة وعشرين يوماً تلك استمرّ وصول دفعاتٍ من "الزملاء" الجدد إلى الكهف بشكلٍ شبه يومي، ومن بينهم نساءٌ وأطفال. ليصل عددنا بعد انقضاء تلك المدّة إلى ما فوق المائة، يكشف ضوء النهار الضعيف عن وجوهها المتعبة وعيونها الحالمة. ولتلطّف رائحة الفضلات البشرية أنفاسنا في انتظار ساعة الفرج.
-344598

حان وقت الرحيل من جحيم الكهف، فتم اقتيادنا، بعد مسيرٍ شاقٍّ عبر الجزيرة، إلى شاطئٍ رسا فيه قارب صيدٍ لا يتّسع لنصف عددنا. احتجّ البعض على صغر المركب، ولكنهم سرعان ما رضخوا بعد تهديدهم بالعودة إلى الكهف لانتظار المركب (الأكبر الموعود)! بدأنا بالإبحار لساعاتٍ طويلةٍ لنصل إلى نقطةٍ التقى فيها قاربنا بمركبٍ أكبر قليلاً، لكنه مهترئٌ، لننتقل إليه، وليغادر قاربنا السابق وبحّاروه في اتجاهٍ آخر. ثم، بعد إبحار يومين وتغيير المركب إلى آخر صغيرٍ، وصلنا، لنعرف بعد حضور وسائل الإعلام والشرطةـ أنها الأراضي الإيطالية. وبعد حفلاتٍ من التحقيق مع كل واحدٍ منّا اقتادونا إلى مخيمٍ مغلقٍ، بعد نوم ليلةٍ هانئةٍ على الإسفلت الإيطالي.
هـــربتُ ومعـــي شخصـــــــان من المخيم، بعد اتصالاتٍ عديدةٍ مع أصدقاء ليدلّونا على طريق الخروج. وركبنا قطاراً يصل بنا إلى ميلانو، ثم قطاراً آخر إلى روما فباريس، في رحلة رعبٍ من افتضاح مفتشي القطارات أمرنا واقتيادنا مجدّداً إلى المخيّمات الإيطالية. من باريس ركبتُ قطاراً إلى فرانكفورت، لتستقبلني الشرطة الألمانية في المحطة، وتقتادني إلى مركز الشرطة، ولينتهي بي الأمر في هذا المخيم، مروراً بمخيماتٍ ألمانيةٍ أخرى ودولٍ ومراكب وصواريخ وبراميل متفجرة لم يكن للسوريين خيار تجنب الموت منها والحلم بحياةٍ ما.