ما زالت بلدة صبيخان، شرق مدينة دير الزور بـ70 كم على الضفة اليمنى لنهر الفرات، تتمتع بهدوئها رغم تواتر استفزازات أمنيي وعناصر حسبة تنظيم الدولة الإسلامية لأهاليها ورد هؤلاء عليهم بين الحين والآخر، إلا أن هذه الحوادث أبعد ما تكون عن اضطرابات كبيرة.

صنفت صبيخان إدارياً كمدينة منذ نحو عشر سنوات، وقد يتجاوز عدد سكانها اليوم 40 ألفاً، إلا أنها ما زالت تجمعاً ريفياً تسكنه عشيرة الشويط التي يتوطن أبناؤها كذلك في ثلاث قرى مجاورة في الشامية (الكشمة والدبلان وغريبة)، وقرية أبو حردوب على الضفة المقابلة في الجزيرة. ودفع وزن العشيرة العددي القوى المحلية الكبرى في سوريا إلى محاولة جذب أبنائها، لكن الأخيرين لم يسجلوا انجذاباً ملحوظاً إلا باتجاه التظاهر في بداية الثورة، ثم تشكيل كتائب الجيش الحر التي شارك بعضها في تأسيس قوى عسكرية ضخمة، كلواء جعفر الطيار.

جذور الهدوء

آخر التحام عنيف جرى بين البلدة وتنظيم الدولة كان منذ أربعة أشهر، في حي الرطبة، حيث أخفى أهله رجلاً مطلوباً للتنظيم حاولت دورية للحسبة البحث عنه لكنها اصطدمت بمقاومة أهلية، فاستعانت بتعزيزات من الميادين والعشارة، اعتقلت إثرها أكثر من عشر نساء لأربعة أيام، وما يقارب المائتي رجل، في إحدى الروايات، تعرضوا للضرب ثم السجن لثلاثة أسابيع، بقيت خلالها حواجز التنظيم في شوارع البلدة، كما فعل في حوادث سابقة قتل فيها مجهولون أو معروفون عناصر في حسبته.

لم تؤثر الحادثة على هدوء صبيخان المعتاد، فعشيرة الشويط المسالمة لم تخرق هذا الهدوء منذ عقود إلا في حوادث نادرة، كشجار مع الجيران من عشيرة المشاهدة بسبب امتداد أراضيهم في البادية. ويبدو أبناء الشويط اليوم بلا ضغائن مع الجوار، أو موقف حاد من التنظيم نفسه أو حتى من النظام، رغم كل ما يجري في المنطقة، وجرى للعشيرة ذاتها، منذ استبعاد نائبها أحمد الجاجان من مجلس الشعب ستينيات القرن الماضي، لينساها نظام البعث في ريف الدير المترامي نهائياً، في وقت لم يكن فيها أي جامع، ثم ليتذكرها مع اعتقال عشرات الشبان من البلدة منذ أكثر من ثلاثة عقود على خلفية انتمائهم إلى الإخوان المسلمين، الذين مثلهم في المجلس الوطني المعارض بعد الثورة، إلى جانب آخرين، الدكتور علي الفرحان من البلدة.

يقدر شبان من صبيخان عدد أبناء بلدتهم في الخليج، خاصة قطر، بثمانية آلاف، اشترى أقاربهم في الداخل على مدى سنوات سبعة آلاف دونم من أراضي حاوي العشارة. وما زالت تعمل في البلدة أربعة معامل كبيرة نسبياً بصناعة الجبنة والألبان. وتصل قيمة التحويلات المالية من الخارج إلى مليار ليرة سورية شهرياً، عبر خمسة مكاتب صرافة تعمل حالياً في البلدة. لكن الثراء الواضح من الأرقام والواقع المشاهد فيها لا ينسحب على كافة أبناء العشيرة، فهناك الكثير من الفقر المدقع.

المركز والأطراف

رغم وجود نوع من التكافل الاجتماعي بين أهالي صبيخان إلا أن فعاليته لا تصل إلى أبناء عشيرة الشويط في القرى المجاورة، خاصة قرية أبو حردوب البسيطة، التي خسرت 45 شخصاً بانفجار سيارة مفخخة أرسلها التنظيم بعد أن انتفضوا ضده أثناء معارك جيرانهم الشعيطات. لكن أبناء أبو حردوب تغيروا إلى النقيض بعد أن ثبّت التنظيم قبضته على المنطقة فراحوا يدخلون صفوفه، حتى وصل عدد المبايعين منهم اليوم إلى المئات، غالبيتهم من الأطفال والمراهقين، بينما لا يتجاوز عدد من بايعوا من صبيخان الثلاثين شخصاً، على رأسهم عامر الغفال الذي بايع للنجاة بنفسه من ثارات عشائرية، كما يتداول أبناء البلدة، وقد قتل منتصف السنة الفائتة بسبب أحدها، كما يُهمَس سراً.

محاولات استقطاب

في محاولة من النظام جذب العشيرة أوصل المقاول المغمور جهاد الشخير من أبناء صبيخان إلى عضوية مجلس الشعب في 2013، في انتخابات أجريت في منتصف تلك السنة خصيصا لملء مقعد شاغر عن (دائرة محافظة ديرالزور). ثم، وبعد أن تعدى بالضرب على قاضية في دمشق، استقر به المقام لاجئاً في ألمانيا، بعد أن فشل في دوره في جر العشيرة إلى جانب النظام.

بالمقابل رعى تنظيم الدولة، منذ ستة أشهر، بيعة حوالي 300 من وجهاء الشويط، ينتمون إلى 93 فخذاً، شيخاً لهم بعد وفاة الشيخ ناصر الجاجان. ورغم الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها زهير الجاجان إلا أن واصل الجاجان فاز بالمشيخة. ويرى شبان من البلدة أن «الواصل ضعيف الشخصية ما كان ليصل للمشيخة لولا أنه يعمل في مكتب العلاقات العامة التابع للتنظيم»، في محاولة من الأخير جذب المزيد من أبناء العشيرة نحوه، لكن لا يبدو أنه سينجح في العاصمة صبيخان، رغم نجاحاته الجزئية، لكن المستمرة، في الأطراف.