عدسة بلال | خاص عين المدينة
يزيد حلبي | محمد فراس العلي | بلال دوماني
قبل عامٍ من اليوم بدأ العمل بمشروع الشرطة الحرّة بشكلٍ تجريبي، كجزءٍ من مشروع الأمن الوطني الذي يشمل كامل المناطق المحرّرة. وكانت حلب هي السبّاقة في البدء.
يقول الناطق الإعلامي باسم جهاز الشرطة الحرّة في حلب، الملازم أول عاشق محمد، لـ"عين المدينة": نتيجةً للفراغ الأمني، وبالتنسيق مع المجالس المحلية في المحافظة، انطلق مشروعنا بتأسيس جهازٍ احترافيٍّ للشرطة، قبل سنة تقريباً. وحرصنا أن يستوعب المشروع العناصر المنشقين، الذين يشكلون نسبة %65 من العدد الكلّي للمنتسبين لهذه المؤسسة الناشئة، والباقي من الثوار الذين بادروا إلى القيام بأعمال الشرطة بعد تحرير مناطقهم. يضيف عاشق: بدأ التطبيق العملي للمشروع في مدينة جرابلس بريف حلب، وفي حيّ الفردوس داخل المدينة، وتطوّرت التجربة بعد ذلك لتمتدّ إلى مناطق وأحياءٍ أخرى، ليبلغ عدد المراكز العاملة اليوم 47 مركزاً تؤدّي وظيفتها بشكل ممتاز. وقد جُهّزت هذه المراكز بمستوى أقل مما يجب، وما يزال ينقصها الكثير من العدد والمستلزمات اللوجستية، إضافةً إلى النقص في الذخيرة والسلاح. ويتقاضى المنتسبون إلى الشرطة الحرّة راتباً شهرياً بمقدار 100 دولار للعنصر و150 دولار لصف الضابط و300 دولار للضابط. وبلغ عدد العاملين في المشروع 1200 شخصٍ، بينهم 70ضابطاً. ويُحضّر الآن لتأسيس منظومة خدماتٍ طبيةٍ لرعاية العاملين في شرطة حلب الحرّة.
وبحسب عاشق، تنسّق مجالس الأحياء والمجالس المحلية مع جهاز الشرطة، فهم شركاءٌ حقيقيون وأهدافهم واحدة، وتُنشأ مراكز الشرطة بناءً على طلب هذه المجالس. والحمد لله، يضيف عاشق: يحظى عملنا باحترامٍ كبيرٍ من السكان ومن جميع الهيئات المحلية، فهاجسنا الأول هو خدمة الأهالي. ونفتخر أن سكان حيّ الكلاسة قد رفعوا لافتات شكرٍ لنا.
في الكلاسة وبستان القصر
في شهرٍ واحدٍ وقعت ثمانون جريمة سرقةٍ وثلاث جرائم قتلٍ و25 مخالفةً من الجيش الحرّ، حقّق فيها جميعاً مركز الشرطة في الكلاسة وبستان القصر.
يتحدث مدير المركز، أبو عبدو شيخ العشرة (34 عاماً) وهو قائد كتيبةٍ سابقٍ تفرّغ لأعمال الشرطة، بحماسٍ عن مهنته الجديدة، ويبدو حريصاً جداً أن تنجح التجربة في هذين الحيّين، ويذكر قائمةً بمهماته تبدأ بملاحقة المجرمين وتنتهي بضبط الأسعار. إذ تنطلق دورياتٌ راجلةٌ من المركز يرافقها خبير أسعار، وذلك لمكافحة الاستغلال من قبل بعض الباعة والتجار، ويمتدّ عمل رجاله خلال الليل حين يلقون القبض على كل مشتبهٍ فيه، إضافةً إلى توثيق وأرشفة بيانات المفقودين. ويتم كل هذا بالتنسيق مع مجالس الأحياء والمجالس المحلية والأهالي، الذين يسهمون في انتقاء واختيار عناصر الشرطة من الشبان ذوي السمعة والخلق الحسن.
ويفخر أبو عبدو بثقة الناس واحترامهم، فقد استطاع مع رجاله تقليص عدد جرائم السرقة إلى حدٍّ كبير.. ويقول بأنهم استعادوا مسروقاتٍ أخذت من خمسين منزلاً، وأعادوا عشرين سيارةً إلى مالكيها، وأعادوا أيضاً سبعة مخطوفين إلى ذويهم، كان أحدهم حفيد المفتي الراحل إبراهيم السلقيني، والذي اختطفته عصابة إجراميّة تنتحل صفة الجيش الحر، تمّ إلقاء القبض على عناصرها وإحالتهم على القضاء.
يقول رئيس المجلس المحلي في الكلاسة، أبو عدنان الشيخ: عمل رجال الشرطة الحرّة جيدٌ في هذه الظروف الصعبة. ومنذ افتتاح مركز الشرطة الحرّة تراجعت جرائم السرقة الى حد كبير.
ويعقّب شيخ العشرة: بل انعدمت حالات السرقة تماماً، فبعد أن كان معدل الجرائم أربع سرقاتٍ في اليوم لم نسمع الآن عن حادثة سرقةٍ منذ وقتٍ طويل. ولكنه يشكو من قلة الموارد وقلة العدد، وخاصةً مع جوارهم للمناطق الخاضعة لسيطرة النظام، الذي لا يكفّ عن إرسال المخبرين والمخرّبين إلى المناطق المحرّرة.
رأي الناس
يعمل محمد (34 عاماً) في محلٍّ لصيانة آلات التطريز في بستان القصر، وبينه وبين جاره قصة خلافٍ قديمةٍ تفاقمت في الفترة الأخيرة لتتطور إلى عراكٍ بالأيدي واستخدام الأسلحة البيضاء، قبل أن تأتي دورية الشرطة الحرّة وتلقي القبض عليهما. وخلال ثلاثة أيامٍ في السجن حرص أفراد المركز على الإصلاح بينهما.. وهذا ما حدث فعلاً، وانتهت المشكلة التي امتدّت لـ 15 سنة بين الرجلين.
أما فاروق، وهو صاحب مطعم فلافل في الكلاسة، فيروي كيف سُرقت مولّدة الكهرباء من مطعمه، وكيف تقدّم بالشكوى، ثم ذهب لاستعادة المولّدة عندما قبض رجال الشرطة الحرّة على السارق. وهو يدعو لهم بالتوفيق والحفظ من الله.
وكذلك يفعل بائع القهوة الجوّال أبو احمد، وهو يتحدث عن إعجابه بمساعدتهم للناس، رغم أن بعضهم بلا خبرة كافية. ولكن أبو أحمد يبدي أسفه لبعض التجاوزات التي يسمعها بحق الموقوفين. ربما يضطرون إلى الخشونة أحياناً، كما يقول.
شرطة مدينة منبج
وللاطّلاع على مسار التجربة في الريف تجوّلت "عين المدينة" في منبج، محاولةً تقديم صورةٍ عن عمل الشرطة الحرّة هناك، حيث يوجد مركزان لهذه الشرطة. وللأسف لم نتمكّن من الحوار مع أيٍّ من المسؤولين في هذين المركزين، وذلك لأن المركز الأول كان خالياً من أيِّ عنصر، ورفض الضابط في المركز الثاني الحديث معنا، مبرراً ذلك بأنه لا يتحدث مع من يعدّون التقارير الصحفية ويعرضونها للبيع ويقبضون عليها المال. وأمام الإلحاح طلب منّا أن نقابل ضابطاً آخر هو العميد "تركي"، وفي مكانٍ آخر هو مدينة حلب.
وأما في الشارع المنبجي فيلاحظ التلكؤ والضعف في أداء الشرطة الحرّة، ويفسر ذلك بأسبابٍ عدّةٍ أولها تلاشي هيبتهم من أعين الناس، فعلى سبيل المثال لم يتمكن عناصر الشرطة من تنظيم المرور في شوارع منبج، ولا
يبدي لهم السائقون الطائشون أي اعتبار، بل على العكس هم محطّ سخرية من هؤلاء، وخاصةً عندما يسجّلون المخالفات بحق السائقين المخالفين. ومن جانبٍ آخر يغيب التنسيق مع فصائل الجيش الحر، للسيطرة على تصرفات بعض مقاتليها التي جعلت الشرطة في حالةٍ من الإحراج والضياع، فضلاً عن النقص الكبير في تجهيزات الشرطة وقلّة عددهم وعتادهم بالمقارنة مع الجيش الحرّ. ويضاف إلى ذلك كله النظرة السلبيّة المسبقة عن رجل الشرطة، والتي ورثها الناس من تجربتهم المريرة مع أجهزة الشرطة الأسدية. ويقول مصطفى، وهو شاب في الثلاثين من العمر: يعاني الشرطي من فسادٍ داخليٍّ في نفسه من المستحيل أن يتغلب عليه، فمن انغمس خلال عشرين عاماً في قذارة خدّام الأسد لا يستطيع أن يتغيّر في عامٍ واحد. ما يزال الوقت مبكراً لرؤية شرطيٍّ محترم. ويحتجّ لؤي (22 عاماً) على قسوة مصطفى، ويدافع عن الشرطي بأنه يعرف كيف يتعامل مع الناس على الأقل، ولا يحمل بندقيته متبجحاً ويتخبتر بين المدنيين كما يفعل عناصر الجيش الحر. ويتدخل أبو خليل (55 عاماً) في النقاش متمنياً أن تنجح التجربة في منبج، ويقوم رجال الشرطة بواجبهم على الأرض، ويفرضوا حضورهم على الجميع لتوفير الأمن الذي فقده الناس. وهذا لن يتحقق، كما يقول أبو خليل، إلا بتوافر الدعم الكافي لهذه التجربة، وأن تخرج كتائب الجيش الحرّ من المدينة وتذهب إلى عملها الحقيقي في قتال قوات الأسد على الجبهات.
أرقامٌ وجرائم
بحسب السجلات المركزيّة لهذا الجهاز الشرطي، بلغ عدد جرائم السرقة المرتكبة في شهر أيلول الفائت 125 جريمة، أوقف فيها 162 متهماً قدّموا إلى مجلس القضاء الموحد. ووقعت خلال الشهر التاسع أيضاً 16 جريمة قتلٍ حققت فيها مراكز الشرطة الحرّة المختلفة ريفاً ومدينة، وتمّ اكتشاف الجناة في 11 جريمة منها. وتأتي العداوات الشخصية ومقاصد السرقة كأبرز الدوافع الجرمية لهذه الحالات.