من موقع uaeinteract.com
في ريف إدلب، كما في مناطق كثيرةٍ من البلاد، يعاني المواطن السوريّ من مشكلةٍ بدأت تلوح في الأفق القريب، وهي كيف سيؤمّن وسائل التدفئة في فصل الشتاء؟
ارتدى معطفه وجلس بجوار أمه، وبدأ يفكر كيف سيمضي يومه من غير أن تتجمّد أصابعه من البرد. يبلغ أحمد من العمر 10 سنوات، من سكان ريف إدلب. في أعوامٍ سابقةٍ، كان الشتاء بالنسبة إليه فصلاً ينتظره طوال العام، لأنه فصل الاسترخاء والحميمية، لكنه أصبح الآن فصل الأصابع الزرقاء والوجه المحمرّ والاكتئاب. يمضي أحمد يومه بين الجدران الباردة، والمدفأة المصمودة في زاوية البيت قد أصبحت أحد ديكورات المنزل التي لا عمل لها، في ظلّ تردّي الأحوال المعيشية ونقصٍ قد يصل إلى الجفاف في المواد النفطية.
لم يذق خزّان المنزل طعم المازوت لما يقارب العامين. ويستعيض الناس عن ذلك بارتدائهم ثلاثة أو أربعة معاطف داخل المنزل. بعض العائلات تعيش في غرفتين ضيّقتين تصفر فيهما الريح، بينما تتضاعف معاناة أولئك الذين نزحوا من بيوتهم إلى الخيم، أو حتى إلى المدارس والملاجئ، ولم يصطحبوا معهم البطانيات أو السجاد الذي يسدّ بعض حاجاتهم في هذا الفصل.
في ظلّ هذه الظروف جاءت مادة الحطب لتعدّل الوضع قليلاً، فاضطرّ معظم المواطنين إلى تركيب مدافئ تعتمد عليها. وبسبب ازدياد الطلب على الحطب ارتفعت أسعاره إلى الضعف، فوصل سعر الطن إلى 20 ألفاً وما فوق، حسب نوعه. وانتشرت ظاهرة إشعال النار للتدفئة، هو الخيار الوحيد الذي يعتمده أغلب النازحين، رغم أنه يكون أحياناً مصدراً لأمراضٍ تنفسيةٍ خطيرة.
هناء أرملةٌ في ريف إدلب، استشهد زوجها في معارك وادي الضيف، لم تجد مع عائلتها سوى البراميل التي توقد فيها الأخشاب والأوراق والمــــواد البلاســــتيكية مصــــدراً للتدفئة.
ولجأ الأهالي إلى إعانات منظمة الهلال الأحمر واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وغيرهما من الجمعيات الإغاثية والإنسانية التي توزّع البطانيات والفرشات والحصر، وأحياناً كسوة الشتاء. لكنها، على الأغلب، لا تغطّي الحاجات المطلوبة للسكان. وفي سياقٍ متصلٍ يقف الناس في طوابير متدافعةٍ أمام محطات تعبئة الوقود، حاملين "قناني" صغيرةً، وفي أحسن الأحوال "بيدوناتٍ"، تكفي لإشعال المدفأة لساعاتٍ قليلة. فليست هناك إمكانيةٌ لشراء كميّاتٍ أو تعبئة الخزّان المهجور على السطح، إذ يبلغ سعر ليتر المازوت الواحد أكثر من 150 ليرةً سوريةً في إدلب، مع وعودٍ متكرّرةٍ كلّ عامٍ بأن الأزمة ستحلّ قريباً! كان أبو عبد الله يعتمد، في كلّ شتاءٍ قبل الأزمة، على مدفأة الكهرباء والسخانة وسيلةً للتدفئة. أما الآن فيقول: "الذي تغيّر عن العام الماضي، وبشكلٍ ملحوظٍ، هو انخفاض أسعار الكهرباء. ولكن هذه الوسيلة انقرضت منذ عامين عندنا، بعد قيام النظام بقطع الكهرباء عن ريف إدلب بمعظمه. ونأمل أن تكون هذه الشتوية أفضل من سابقاتها". في مدينة جسر الشغور، المحاصرة منذ أكثر من عامين من قبل قوّات الأمن والشبيحة، المواد النفطية ومشتقاتها غير متوافرة، لا للتدفئة ولا لغيرها من الاستعمالات اليومية. لا يوجد مازوتٌ نظيفٌ، وإن وجد فأسعاره خياليةٌ لا تناسب أهالي المدينة. تقطير البلاستيك "مازوت البلاستيك" هو البديل هناك اليوم. ويتراوح سعر الليتر منه بين 120 و140 ليرةً سورية.
وفي ظلّ الفقر المدقع الذي يعاني منه المواطن الإدلبيّ، والسوريّ عموماً، يجد نفسه في مواجهة شتاءٍ وصفه البعض بأنه الأبرد منذ مئة عام. وصارت الحكاية/ الهاجس التي تتكرّر في كلّ منزلٍ تحمل عنوان "المحروقات – والشتاء القاسي". فبعض الأشخاص يستطيع بصعوبةٍ تأمين بعض الدفء لعائلته، والبعض الآخر لا يرجو من الله سوى الرحمة ليمرّ هذا الشتاء بسرعةٍ وهم على قيد الحياة.