مثل غيره من معظم «الرفاق»، لا يملّ خلف المفتاح من نفسه، ولا من أربعين عاماً وأكثر قضاها في صفوف حزب البعث، قبل أن يتوقف قطاره أخيراً عضواً في القيادة القطرية، وهي المحطة النهائية في رحلة صعود البعثيين، أمام حصرية إشغال موقع الأمين العام بحافظ الأسد. لم يجلب الوقوف في هذا المحل واستنفاد فرص الترقي أي أسىً على قلب المفتاح، إذ يؤمن البعثيّ أشد الإيمان بمسلّمات الصعود وذراه المتاحة إيمانه بأبدية الأسد ملكاً على هذا القطر. ورغم تبدّد الآمال بالمزيد، وتآكل النفوذ المفترض لموقعه الحاليّ، فضلاً عن تفاهة المهمات التي يكلف بها بين حينٍ وآخر؛ لا يبدي المفتاح مقدار ذرّةٍ من تذمر، ولا تخطر على قلبه كآبات الخواء لمن أمضى دهره في قاع الدناءة. بل إنه سعيدٌ وحيويٌّ بما تبقى لديه من أحلام، وهي أن يصمد لأطول مدّةٍ ممكنةٍ في موقعه القطريّ، وأن يحرز أكبر قدرٍ من الأموال المنقولة وغير المنقولة تؤمّن له تقاعداً مريحاً، وأن يضع ابنيه وابنتيه الشبان على السكة، وفق هداه، إلى المستقبل.
ولولا فضيحةٍ كبرى ضجّت بها محافظة الرقة كلها أيام كان مديراً للمركز الثقافيّ فيها، وأخرى حين تسلم إدارة مؤسسة الوحدة للطباعة والنشر في دمشق، وسواهما من الفضائح الصغيرة والروتينية في سير المسؤولين البعثيين، مثل رشوةٍ من هنا أو تزوير شهادة دكتوراه من هناك؛ لغدا تاريخ المفتاح العلنيّ نظيفاً. فالرجل حذرٌ إلى حدود الجبن، كما يصفه أهل الرقة الخائبون دوماً من توسّطه في أيّ شأن. وهو ماهرٌ في اقتناص اللحظة المناسبة، سرقةً أكانت أو تحطيم منافسٍ بتقريرٍ ثقيلٍ يعرف إلى أين يُرفع، أو في التقرّب من شخصٍ أرفع شأناً في حاشية الأسد. وعلاوةً على الحذر والمهارة يأتي دأبه العنيد ليتوّج أسباب «نجاحه». دأبٌ تجلى مع البكالوريا الحرّة التي نالها بعد جهدٍ وتعليمٍ مهنيٍّ وتعثر، ثم في معهد إعداد المعلمين منتصف سبعينيات القرن الماضي، ثم المدرسة التي صار فيها مديراً، قبل أن ينطلق أخيراً كـ«مثقفٍ» مداومٍ على الكتابة للدوريات والصحف الرسمية كلها، بالتزامن مع الترقيات الوظيفية والحزبية.
ومن بين المحطات التي مرّ بها يبدي المفتاح تقديراً خاصاً لمنصبه في إدارة المركز الثقافيّ، إذ أبدع في انتقاء بعض الضيوف المهمين بالنسبة إليه من داخل سورية ومن خارجها في بعض المرّات، وفي توثيق الصلات بهم. خاصةً وأن بعض هؤلاء كانوا من رجال الدين الشيعة أومن مسؤولي حزب الله، أثناء سعيهم المموّل والمحموم لنشر مذهبهم في الرقة في العقد الماضي. وبالطبع لم يكن خلف المفتاح شيعياً كما شاع بين الرقاويين، ولا سنّياً كذلك، بل كان غير مهتمًّ بأيّ اعتقاد، سوى الركض لاهثاً نحو الأمام. وحين يجد الوقت، والهامش المضمون للغاية، كان يلهو باصطياد بعض المثقفات الحزبيات التائهات.