البوكمال | عدسة عمر | خاص عين المدينة
هبوط الليرة وحواجز النظام واللصوص مشاكل مستمرة باستمرار النظام
سوق البوكمال... حياة جديدة رغم معوقات العمل وضعف القدرة الشرائية
التحرير أعاد الحياة
بعد أن شنّ النظام حملته الهمجيّة على محافظة دير الزور العام الماضي، بدأت الحركة الاقتصادية بالتوقف تدريجياً في مدينة البوكمال. وقد كانت هذه الحركة تعاني جموداً قبل مدّة بسبب حالات العصيان المدني، التي كات تلقى ترحيباً من السكان.
وفي شهر تشرين الثاني من العام المنصرم، انعدمت هذه الحركة بشكل كامل، بعد أن غادر المدينة 85% من سكانها، هاربين من رحى الحرب التي جعلت العيش فيها يكاد يكون مستحيلاً، ودمّرت الكثير من البنى التحتية، وتسببت بأضرارٍ كبيرةٍ للمحلات والأسواق.
إلا أن تحرير المدينة شكّل نقلة نوعية، إذ ساعدها على استعادة نبضها الاقتصادي. ومع بدء عودة الأهالي كانت الحياة ترجع تدريجياً إلى أسواق البوكمال، واضعةً لبنة جديدة لحياة مدنيّة خالية من فساد مؤسسات النظام، الذي كان يشكل عائقاً كبيراً أمام الانتعاش الاقتصادي في المدينة.
بنية اقتصادية جديدة
خلق تحرير المدينة بنية اقتصادية جديدة في البوكمال، فسابقاً كان أبناء المدينة يعيشون على نقل البضائع من وإلى العراق، وعلى تهريب بعض هذه البضائع، وعلى تجارة المحاصيل الزراعية. أما اليوم فقد تغيّر الحال، فالسلطات العراقية شدّدت من إجراءاتها لمراقبة الحدود منعاً لدخول الأسلحة، كما أدّى استهداف النظام للأراضي الزراعية إلى تراجع إنتاجها من المحاصيل.
فأصبح اقتصاد البوكمال اليوم يعتمد على حركة البيع والشراء فقط. ولكن ازدياد تدفق النازحين إلى المدينة أسهم في تحسين الحركة الاقتصادية، وإقبال التجار على إعادة فتح محلاتهم وإصلاحها. كما أن ازدياد التحويلات المالية إلى الأهالي، من ذويهم في الخارج، ساعد على تدوير رأس مال جيد داخل أسواق المدينة، وأسهم في استمرار حركتها، رغم ارتفاع الأسعار وعدم تناسبها مع رواتب الموظفين، الذين يشكلون نسبة كبيرة من أهل البوكمال والوافدين إليها.
وعود الاستثمار
لعل أكثر ما يعرقل انتعاش اقتصاد البوكمال الجديد هو توقف الاستثمارات، بسبب استمرار قصف طيران النظام للمدينة بين الحين والآخر، واستهدافه لمراكز تجمع المدنيين والأسواق التجارية، بعد أن كانت هناك وعود بالاستثمار في المدينة إثر التحرير، من قبل الائتلاف الوطني ومنظمات اقتصادية دولية وبعض المستثمرين العرب والسوريين. كما أن الاتحاد الأوروبي وعد بإدخال مصافي نفط مصغرة إلى المناطق المحرّرة في دير الزور، لاستثمار النفط الذي أصبح مشاعاً للجميع، مما قد يخفف من الاستثمار غير الشرعي ويوفر موارد الطاقة.
هذه الوعود، في حال الوفاء بها، ستكون كفيلة بإنعاش الاقتصاد في المدينة وتحسين معيشة أهلها والوافدين إليها، بسبب فرص العمل التي ستوجدها، وكونها ستساعد على إنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة تطوّر اقتصاد المدينة المتجمّد منذ ما قبل التحرير. ولكن هذه الوعود ما زالت حبراً على ورق.
هموم الناس
وعلى الرغم من عودة الحركة إلى أسواق مدينة البوكمال، فإن من يتجول فيها سيشاهد، دون أي شكٍ، هموماً في وجه المشتري وهموماً أخرى في وجه البائع، تتقاطع دائماً في سببها، ألا وهو الحرب المستمرة.
جابت "عين المدينة" في أسواق البوكمال والتقت بعض الزبائن، فأبو أحمد يشكو لنا همومه قائلاً: "أنا أعيش على مرتبي، والأسعار في ارتفاع، ولا نستطيع التأقلم مع هذا الارتفاع، كون الدخل على ما هو عليه".
وأمام أبو أحمد كان يقف ياسر، البائع، الذي يعقب: "انهيار الليرة هو السبب الرئيسي في الأزمة. إضافة إلى صعوبة وصول البضائع إلى المدينة بسبب بعدها عن المراكز التجارية الكبرى وانتشار حواجز الجيش النظامي واللصوص على الطريق، مما يجعل تكلفة وصولها إلينا باهظة. كما أن البضائع التركية المستوردة بالدولار أغرقت الأسواق".
ومع كل هذه المشاكل، فإن الأسواق مكتظة بالمشترين وبسيارات نقل البضائع، والحركة الاقتصادية في أوج نشاطها، والأسواق فتحت أبوابها أمام واقعٍ مؤقتٍ قد يطول أو قد يسرع في الزوال في حال انتصار الثورة.