رمضان دمشق بلا نكهة.. لا عزائم تقام ومتابعو الدراما اكتفوا باللقطات المتفرقة من مسلسلاتهم والإعلانات

الكاريكاتير لـ ياسر الأحمد

يعتقد دمشقيون اعتادوا سابقاً على التمتع بأجواء غير اعتيادية يوفرها حلول الشهر الفضيل، بأن "رمضان هذه السنة هو الأقسى والأشد مرارة"، إذ تغيب عن رمضان دمشق معظم العادات التي كانت تميز الشهر مع بداية الإعلان عن رؤية هلال الصيام وحتى الإعلان عن هلال العيد: لا عزائم، لا صحن سكبة يدور بين المنازل؛ مائدة الإفطار تفتقر إلى طبقها الرئيسي المكون من اللحوم، في حين غابت معظم أنواع العصائر والحلويات عن المائدة.

بعد تجوله في حي الميدان الشهير بأجوائه الرمضانية المميزة، لم يشعر أبو كريم أن الموسم الحالي يشبه سواه من مواسم شهر الصيام. يقول لـعين المدينة“: "لا شيء مختلف عن سواه من الأشهر الماضية: الفقر وضعف المدخول وصعوبة المعيشة هي ذاتها قبل الشهر وأثناءه"، ويتابع بأن حلول رمضان فاقم من الأزمة المعيشية الخانقة التي يعيشها المواطنون مع صعود جنوني لأسعار معظم المواد مثل اللحوم والخضار والمواد التموينية.

 يمكن التعميم بأن دمشق استقبلت شهر رمضان كما لم تستقبله سابقاً، فضعف القدرة الشرائية بالتوازي مع جحيم الأسعار في ظل غياب أي دعم حكومي حقيقي على السلع التي يستهلكها الشهر، ولّدا حالة سلبية انعكست على العادات الرمضانية التي طالما أكسبت الشهر نكهة خاصة.

 تسجل حسيبة التي تقطن في حي المهاجرين لـعين المدينة، أنها لاحظت غياب عادة السكبة بشكل تام خلافاً للسنوات السابقة، وتقول بحذر: "انحسرت هذه العادة منذ الأزمة في البلد لكنها اختفت تماماً اليوم.. يبدو أن الجميع يريدون إخفاء حالة الفقر التي يعيشونها".

 العزائم (الولائم) التي تعد "ملح رمضان" سجلت هبوطاً ملحوظاً في قائمة العادات الرمضانية الآيلة إلى الانقراض. تشير "أم شكيب" وهي سيدة دمشقية، إلى أن كلفة أية مائدة رمضانية متواضعة لا تقل عن 10 آلاف ليرة في حال كانت مخصصة لعائلة واحدة، وتتساءل "كيف إذا حسبنا كلفة عزيمة لا بد من حضور أطباق دسمة فيها مثل اللحوم والدجاج والسمك؟، وتجيب: "ستضطر أي أسرة فقيرة لدفع مخصصات شهر كامل لإجراء عزيمة كهذه".

 فيما كانت أول سفرة رمضانية تزدحم سابقاً بما لذ وطاب من أصناف المأكولات الدمشقية المتسربلة باللون الأبيض كالشاكرية والرز وشيخ المحشي، اعتادت دمشق على استقبال اليوم الرمضاني الأول بها: غاب اللون الأبيض عن مائدة رمضان الحالي، مثلما غابت جميع الألوان الدسمة في انحسار للحم الخروف والسمك وحتى الدجاج، وصدارة للخضار والبقوليات الرخيصة التي لم تكن قط تحسب من بين الوجبات الرمضانية الرئيسية المعتادة.

 عن هذا المشهد القاسي يقول أبو محسن الذي يقيم في محيط العاصمة لـعين المدينة“: "السفرة الرمضانية فارغة إلا مما يسد الجوع.. الناس فقيرة، وأعرف من يفطر على الحشائش والبقوليات مثل السبانخ والفول والخبيزة". كلام أبو محسن يؤكده حديث لـ"أم أحمد" وهي من ريف دمشق أيضاً، إذ تقول إنها تحاول تقليص نفقات الإفطار بتحضير طبخة واحدة تكفي ليومين، و"تغيب اللحوم عن وجباتي الرمضانية، وأعتمد غالباً على الرز بالفول والرز بالبازلاء والمفركة ببطاطا والششبرك والكبب بلحم الدجاج".

 يقود الحديث عن العادات الرمضانية المتعلقة بالطعام إلى سياق آخر لا يخرج عن الجو العام للشهر، فرمضان كما يعدّ شهر العبادة والقرآن والموائد الحافلة بالمأكولات والمشروبات، كذلك يعدّ أفضل موسم يعتمده صناع الدراما لتحقيق نسب مشاهدة عالية لمسلسلاتهم التي تعرض على مدار الشهر في أوقات مختلفة. أدت الظروف الخدمية غير المسبوقة لعدم تمكن شركات إنتاج عدد من المسلسلات (التي كان من المفترض عرضها في الموسم الحالي) من إكمال تصويرها أو إنجاز الأعمال التقنية الخاصة بها.

علق في هذا المطب عرض مسلسلات كان البعض بانتظارها، مثل "السنونو" للممثل الكوميدي ياسر العظمة، و"بروكار" بجزئه الثاني، إضافة إلى الجزء الثاني أيضاً من "مقابلة مع السيد آدم" وسواها.

 على مستوى آخر، يواجه الأهالي صعوبة أيضاً في مشاهدة الأعمال المعروضة على الشاشة الصغيرة كنتيجة حتمية لانقطاع التيار الكهربائي. يقول أحد متابعي هذه المسلسلات في شيء من السخرية: "تمكنت من متابعة اللقطة الأولى من مسلسل الكندوش، واللقطة الأخيرة من مسلسل على صفيح ساخن، وجزء من دعاية "بن حسيب" لصباح الجزائري إخراج السدير مسعود".