دواعش الرقة: سفاهة تتصاعد وسقوط وشيك

Associated Press

في جامع النور بحيّ الدرعية على أطراف مدينة الرقة، قال الشيخ علي (مصري الجنسية) في خطبة الجمعة الأخيرة، إن الأميركيين استخدموا السلاح النووي ضد «الدولة الإسلامية»، وإن المجاهدين يصمدون صموداً فاجأ أعدائهم، وإن على أهل الرقة اليوم أن يساندوا دولتهم مثلما فعل أهل الموصل.

وحذر الشيخ من أن الأميركيين سيهدمون البيوت فوق رؤوس ساكنيها، واتهم كل من لا يبايع «الدولة» ويحمل السلاح في صفوف جنودها الآن بأنه «ديوث» ينتظر «الملاحدة ليزنوا بأهله». في الجوامع الأخرى تحدث خطباء داعش بالمعنى ذاته وإن تفاوتت درجة البذاءة. فخلال الأسابيع الأخيرة صار من المألوف، على ألسنة الشرعيين وعموم الدواعش، أن يحرضوا على الانضمام إلى التنظيم بعبارات لا تقل عن سفاهة خطيب جامع النور. وصارت رؤية رجال من المدينة يرتدون الزي الذي فرضته داعش، دون أن يبايعوها، تستفز الشرعيين ليسألوا: «ليش تلبسون لباس المجاهدين؟! اشلحوه أشرف لكم والبسوا لبس النسوان. أنتم مو زلم». تعبّر اللغة العصبية والمنحطة التي يخاطب بها الدواعش الناس في الرقة عن إحساسهم العميق باقتراب نهايتهم فيها، دون أن يعترفوا بذلك بينما يسعون إلى إلقاء المزيد في سفينتهم الموشكة على الغرق. فقد تركت الهزائم التي منيت بها داعش مؤخراً أثراً مختلفاً في نفوس عناصرها عن هزائم سابقة، لا سيما مع اقتراب «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) إلى مسافة 15 كم فقط عن المدينة في الشمال الشرقي، بالتزامن مع انتزاع الجيش الحر مدينة الباب من قبضتهم، وانسحابهم المتتالي أمام قوات الأسد دون قتال تقريباً. وإلى جانب خسائر الأرض لا تقل خسائر الأرواح فداحة، إذ تقدر مصادر خاصة عدد القتلى في صفوف داعش في «ولاية الرقة» خلال الشهرين الأخيرين بأكثر من 350، سقط معظمهم في معارك الريف الشمالي للمدينة والغارات الجوية المصاحبة لها. ورغم ذلك يقول الدواعش إنهم سيقاتلون حتى الموت في الرقة، ويواصلون ليل نهار حفر الخنادق ورفع السواتر وتفخيخ الأنفاق على أطراف المدينة التي باتت -مع بعض القرى المتصلة بها- معزولة من الشرق والغرب والشمال، فيما يشكل نهر الفرات من الجنوب معبراً سالكاً بصعوبة بعد تدمير الجسرين الواصلين إلى المدينة أول الشهر الماضي. وداخل الرقة ظهرت متاريس جديدة استعداداً لحرب شوارع يحضّر لها التنظيم، فيما يتفحص فنيو داعش شبكة كاميرات المراقبة المزروعة في الأسواق.

بقي في مدينة الرقة نحو 190 ألف نسمة. وفي المحافظة، أو في الأجزاء المتبقية تحت سيطرة داعش منها، أقل من 400 ألف، بمن فيهم النازحون القدامى والجدد من ريف حلب الشرقي وبعض القرى في ريف المدينة الشمالي. وظهرت، قرب المدن والبلدات والقرى، مخيمات جديدة، مثل الطبقة والمنصورة وهنيدة ودبسي فرج ودبسي عفنان، بينما آثر سكان أن يهيموا على وجوههم على الأطراف القريبة من البادية أو على ضفاف نهر الفرات.

خلال النهار يتيه آباء وأمهات من حي إلى آخر بحثاً عن «ديوان الجند» أو عن الذاتية ليسألوا عن مصير أبنائهم مجهولي المصير في صفوف التنظيم. وعندما يستدلون على البيت الذي نقل إليه هذا الديوان، كمقر جديد تحاشياً لغارات التحالف، لا يحظون بإجابات شافية، وأحياناً، في الأوقات التي يتعكر فيها مزاج الدواعش، يطردونهم بالقوة والتهديد. وكذلك شأن آباء وأمهات آخرين يبحثون عن مكتب «العلاقات العامة والعشائر» للسؤال عن أبنائهم المعتقلين في السجون. وفي الحالتين، بل في كل الحالات التي يكون فيها الإنسان مقيماً في الرقة، يظل احتمال أن يقتل فوراً بهجمات التحالف، أو يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد حين تحت الأنقاض، قائماً، قيامة الرعب اليومي المتواصل في الأرض ومن السماء.

وتزيد المشهد السوداوي عبثية ملاحقة الحسبة للمارة في الشوارع للتقيد بتعاليم اللباس. ففي الوقت الذي يتلطى فيه الناس بحثاً عن جدار أو سقف أو متر مربع آمن من قذائف الموت وهدير الطائرات، تقبض الحسبة على مخالفي لحى، وتقيس مسافة ارتفاع القماش في سراويل الرجال عن كعب القدم.

وبصمت، وقليل من الاهتمام، يشيع الأهالي قتلاهم، سواء سقطوا بالقصف أو في صفوف داعش على جبهات القتال.