لوحة برونزية منسوبة لموقع دورا اوروبوس في دير الزور | خاص عين المدينة
أضحت آثار منطقة البوكمال، كحال بقية المواقع الأثرية السورية، وخاصةً في المناطق المحرّرة، مهرجاناً لتجمعات التنقيب العشوائيّ. الأمر الذي أدّى إلى تدمير وتشويه غالبية تلك المواقع، إضافةً الى اختفاء ما تحويه من كنوزٍ أثريةٍ بمختلف أصنافها. ويوجد في منطقة البوكمال موقعان ذوا أهميةٍ تاريخيةٍ كبرى، إذ يعودان الى الألف الثالث قبل الميلاد؛ الأوّل ماري (تل الحريري) في قرية السيال الشرقيّ، والثاني في الصالحية (دورا أوروبوس)، عدا عن الأماكن الأخرى التي أكّدت وجودها بعثات التنقيب الأوربية في السابق، وما اكتشفه المنقبون الجدّد بأنفسهم.
الآثار؛ من زمن النظام إلى زمن داعش
في زمن حكم النظـام الأســديّ للمنــطقة، كـــان يحرّم على المواطنــين الاقتراب من أيّ موقعٍ أثريٍّ، وخصوصاً بعد أن تثبت بعثات التنقيب الأوربية وجود موقعٍ جديد. إلا أن أجهزة الأمن كانت تزاول التنقيب ليلاً، على هيئة دورياتٍ مشتركةٍ بين المخابرات الجوّية والعسكرية وأمن الدولة، بعد أن تنسحب بعثات التنقيب من المواقع المكتشفة. وهذا ما يؤكده (علي. ا) العنصر السابق في المخابرات العسكرية من قرية الباغوز.
أما في زمن داعش فقد ســــمح التنظيم بعمليات التنقيب واستخراج اللقى الأثرية، لكن مقابل ضريبةٍ خاصّةٍ تساوي خمس القيمة المقدّرة لكل لقيةٍ أثرية، يدفعها المنقّب لصندوق التنظيم. وتقوم الهيئات الشرعية المحلية بفضّ النزاعات التي لا بدّ أن تنشب بين أفراد الورشات أثناء توزيع المستخرجات.
أدوات التنقيب وخبراء الشعوذة
يقول عبد الله، صاحب أكبر ورشات التنقيب في قرية الباغوز التابعة لمدينة البوكمال: "نستخدم أدواتٍ زراعيةً في الحفر، وأحياناً معدّاتٍ وآلياتٍ ثقيلةً، إذا اضطرّنا الأمر، لنزيل الطبقة الأولى من الأرض. ثم نتابع الحفر يدوياً بما تيسّر من معاول، خصوصاً بعد أن يعطي جهاز كشف المعادن إشارةً تدلّ على وجود شيءٍ ما...". ويؤكد عبد الله أن هناك الكثيرين من الذين يساعدونه في عملية الحفر السريعة هذه، بدافع الحصول على نصيبٍ من الكنوز المتوقع اكتشافها.
وفضـــلاً عن ذلك، لا تقتصـــــر عمليات الحفر على المواقع الأثرية المعروفة، بل أصبح البحث يطال مواقع جديدةً بفضل "تقنيات" الشعوذة والسحر التي يزعم غالبية المنقبين أنها وسائل ناجعةٌ للاستدلال على أماكن "الدفائن"، أو لتحديد أيّ موقعٍ جديدٍ ومعرفة ما يحتويه. وهذا ما يؤكده (علي. خ) من قرية الباغوز، المعتقل السابق لدى جبهة النصرة بتهمة استخدام الشعوذة في التنقيب. وفي نفس السياق يقول (أبو رامي. ع) إن كتب السحر التي بحوزته، وجهاز كشف المعادن، ساعداه كثيراً في تحديد مواقع أثريةٍ جديدةٍ، وفي الحصول على الكثير من التحف والذهب والفضة، عدا عن تقديم خدماته هذه لورشات التنقيب الأخرى مقابل الحصول على نسبةٍ معينةٍ يتمّ الاتفاق عليها مسبقاً في حال وجدوا شيئاً. ويعود الفضل إليه، كما يدّعي، في اكتشاف موقع النهر في قرية السوسة، الذي بدأ الحفرُ فيه منذ عامٍ تقريباً. ويضيف أبو رامي أن الأهمّ من الآثار هو البحث عن المومياءات، لوجود الزئبق الأحمر في حناجرها، والذي يعدّ من المواد المطلوبة، وخاصةً في الدول الخليجية، لما يُعتقد أن له من قوّةٍ سحريةٍ ترتبط بتقوية القدرة الجنسية لدى الذكور! وقد تمّ العثور على مومياءٍ -كما يقول- في موقع دورا أوروبوس.
طرق البيع والتجارة
لا توجد أرقامٌ أو إحصائياتٌ تشير إلى أعداد التحف واللقى المستخرجة من المنطقة، لكثرة المنقبين، ولأن عمليات البيع تتمّ بشكلٍ سرّيٍّ، كما هو معلوم. وقسمٌ كبيرٌ منها يتمّ بيعه لتجارٍ محليين، يتواصلون بدورهم مع تجارٍ في الخارج.
(أبو محمد. ش)، تاجر آثارٍ مقيمٌ في غازي عنتاب، يشرح طرق توريد وبيع الآثار في تركيا، فيقول إن لديه شبكةً داخل سوريا تقوم بجلب القطع الأثرية الى منطقة إعزاز بحلب، ليُدخلها بدوره إلى تركيا، ثم ينسّق مع شركائه الأتراك ليرسلوا صورها إلى تجارٍ آخرين في مدينتي أنقرة ولندن، ليعود تقريرٌ عنها يوضح إن كانت مسجّلة في منظمات الأمم المتحدة أم لا. وفي الحالة الأولى لا يتمّ شراؤها من قبلهم، والعكس صحيح! وعلى هذه الحال تستمرّ فوضى التنقيب، وبيع التراث الأثريّ للمنطقة.