يعدّ جبل السمّاق بمنطقة حارم في ريف إدلب الشماليّ المركز الثاني لتجمّع طائفة الموحّدين الدروز في سورية، بعد محافظة السويداء. ويتوزّعون فيه على 18 قريةً، أهمّها (قلب لوزة، بشندلنتي، كفركيلا، عبريتا، معارة الإخوان، جدعين، بشندلايا، كفر مارس، بيرة كفتين، تلتيتا، الدوير، عرشين)، يقارب عدد سكانها 20 ألف نسمة.
اتخذ دروز إدلب موقفاً محايداً منذ بداية الحراك الثوريّ، عدا قلةٍ من شبابهم شاركت القرى والبلدات المجاورة الثائرة على النظام في مظاهراتها وانضمّت إلى صفوف المطالبين بالحرّية. ويشهد أهالي القرى القريبة للدروز باستقبالهم النازحين من مناطق القتال وتقديم كلّ ما يستطيعون من منازل وأثاثٍ وطعامٍ للفارّين من القصف، فكانت قراهم مكاناً آمناً لهؤلاء القادمين من بلدات الريف الشماليّ. يقول علي قرمو، وهو من أهالي قرية كفركيلا، التي يسكنها السنّة والموحّدون الدروز: "أشهد بالله أنهم طيبين كتير، واستقبلوا كلّ الناس ببيوتهم. والعلاقة بيننا وبينهم علاقة أخوّة ومحبة، فنحن نعيش مع بعض منذ عشرات السنين ولم نجد منهم غير الخير".
سيطر الجيش الحرّ على جبل السمّاق فلم يتعرّض أيّ فصيلٍ منه للموحّدين بسوء. واستمرّت علاقتهم بأهل السنّة كسابق عهدها، بل زادت متانةً بسبب ما أظهروه من تعاطفٍ مع أهالي القرى التي تتعرّض للقصف ونازحيها. ثم اتخذ تنظيم الدولة الإسلامية مقرّاتٍ له في جبل السمّاق. وبعد خروج التنظيم منه سيطرت عليه جبهة النصرة، وارتكب بعض عناصرها تجاوزاتٍ بحقّ الموحّدين. كان أشهرها قتل 23 من أهالي قرية قلب لوزة بعد قتل عنصرٍ من الجبهة نتيجة خلافٍ بين مقاتلٍ من النصرة وأحد أهالي القرية. وأصدرت الجبهة بياناً استنكر الحادثة، وأعلنت أنها ستعاقب الفاعلين، بعد أن ندّد غالبية السوريين بالمجزرة.
حاول النظام استغلال هذه الحادثة لخلق الفتنة، وراح يروّج لحصول عمليات ذبحٍ ممنهجٍ ضدّ الدروز في جبل السمّاق. واتهم وئام وهاب، العميل الدرزيّ اللبنانيّ الشهير للنظام، تركيا وقطر بالتحريض على قتل الدروز. وكما لعب النظام على الوتر الطائفيّ والمذهبيّ في كلّ مكانٍ من البلاد، عمل جاهداً على زجّ دروز شمال سوريا في الحرب التي يشنّها على الشعب المطالب بكرامته لكنه لم يستطع، إذ تنبّه العقلاء إلى عدم الانجرار وراء ادّعاءات النظام التي دارت حول إبادة الدروز في حال خروجه من المنطقة. يحدثنا مالك حمود، من قرية بلابل التابعة لمنطقة حارم، قائلاً: "في عام 2012 اجتمع ضباطٌ من النظام مع بعض وجهاء ومشايخ الموحّدين، وعرضوا علينا السلاح والمال ليجرّونا إلى الفتنة مع جيراننا، وعملوا على زرع الخوف في قلوبنا. كانوا يكرّرون أننا سنُقتل في حال خروج النظام من المنطقة، ويحثونا على قبول السلاح، لكنا أصررنا على عدم التسلّح ضد محيطنا السنّي الثائر ضد النظام والمطالب بالحرّية للجميع، والذي يضحي في سبيل كلّ سوريّ".
عانت قرى الموحّدين من الإهمال في السابق، ما أدّى إلى انخفاض نسبة التعليم فيها وضعف الخدمات، بسبب المحسوبية والرشاوى التي كانت تقوم عليها تركيبة النظام. والآن تعاني هذه القرى من إهمال المنظمات الإنسانية والإغاثية لها، رغم حاجة سكان جبل السمّاق الكبيرة إلى المساعدة في ظلّ الظروف الراهنة. يقول أبو علي من قرية بلابل: "نادراً ما نرى المساعدات الغذائية. نحن في حاجةٍ إلى الخدمات الطبية والمرافق الخدمية، فلا يوجد في قرانا فرن خبزٍ أو مطحنةٌ أو مستوصف. ونحن في حاجةٍ إلى حفر آبارٍ للمياه أيضاً".
في الفترة الأخيرة زادت بين الموحّدين الأصوات المنادية بضرورة المساهمة في الأعمال العسكرية مع الثوّار الذين يقدّمون التضحيات لنيل الحرية والكرامة. الشيخ صالح حسن (63 عاماً)، وهو أحد وجهاء الموحّدين في جبل السمّاق، وكان يقيم في ليبيا عند اندلاع ثورتها ضد القذافي فشارك فيها ثم عاد ليشارك في ثورة بلاده، قال لنا: "فرض علينا حمل السلاح ضد النظام مع أبناء شعبنا، لأننا جزءٌ من هذا الشعب، لنا ما لهم وعلينا ما عليهم. ما دفعني إلى المساهمة في الأعمال العسكرية هو انتهاك مقدّسات وكرامات أبناء الشعب السوريّ، فشكلت كتيبةً وخضنا عدّة معارك بالاشتراك مع أبناء كفرتخاريم".