ونداءات استغاثةٍ من المشافي والمراكز الطبية
فراس العمري - إدلب
بعد الانتصارات المتلاحقة التي حققها جيش الفتح في محافظة إدلب، شنّ تنظيم "الدولة الإسلامية" هجوماً على مناطق محرّرةٍ من ريف حلب الشماليّ. لتبدأ بعد ذلك أزمة محروقاتٍ هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الثورة في ريف حلب الشماليّ ومحافظة إدلب.
منعت حواجز التنظيم، المنتشرة في الباب ومسكنة وغيرها، صهاريج نقل المحروقات المتّجهة من مناطق سيطرته إلى المناطق المحرّرة في الشمال. ومن المعلوم أن التنظيم يسيطر على القسم الأكبر من الثروات الباطنية في سوريا، والمتوزّعة في ريفي دير الزور الحسكة. فيما يتقاسم النظام والميليشيات الكردية ما تبقى من الحقول النفطية المتوزّعة في بادية حمص والحسكة.
فبدأ سعر مادة المازوت بالارتفاع بشكلٍ يوميٍّ، تزامناً مع فتح تنظيم الدولة معركته على الثوّار في صوران إعزاز في بداية شهر حزيران الحالي. ليصل سعر ليتر المازوت إلى 700 ليرةٍ يوم كتابة هذه السطور، بعد أن كان لا يتجاوز 85 ليرةٍ لليتر الواحد قبل بداية الشهر. وكذالك الأمر مع ليتر الكاز الذي زاد عن 350 بعد أن كان لا يتجاوز 100 ليرة. فيما خلت الأسواق من البنزين المفروز -إنتاج فرّازات النفط- بالتزامن أيضاً مع ارتفاع سعر البنزين النظاميّ -القادم من مناطق النظام- بعد فتح معارك حماة في الأيام الماضية، وقيام النظام بقطع البنزين عن المناطق المحرّرة، ويصل إلى 500 ليرةٍ بعد أن كان الليتر يباع بـ275 ليرة. كما ارتفع سعر جرّة الغاز، الآتية من حماة أيضاً، إلى 6000، بعد أن كان 2400 ليرة.
وبطبيعة الحال، كان لا بد من انعكاساتٍ كارثيةٍ لأزمة نقص وغلاء المحروقات هذه على الكهرباء. فمعظم المناطق التي يسيطر عليها الثوّار في أرياف حلب وإدلب واللاذقية تعتمد على كهرباء الاشتراك بمولداتٍ، تغذي الأحياء لثماني ساعاتٍ مقابل 2400 ليرةً للأمبير. ونتيجة شحّ الوقود وغلائه تقلصت ساعات تشغيل المولدات من 8 إلى ثلاثٍ يومياً. كما توقفت العديد من الأفران عن العمل، كما جرى في أفران كفر دريان وعقربات شمال إدلب. ليصبح الاعتماد الكليّ إما على الأفران المدعومة من المنظمات الإغاثية، أو على الخبز السياحيّ القادم من مناطق سيطرة النظام في حلب. ويصل سعر الربطة، المكوّنة من 11 رغيفاً، إلى 200 ليرة.
لكن القطّاع الصحيّ يعدّ أكبر المتضرّرين من هذه الأزمة. إذ وجّهت العديد من المستشفيات والنقاط الطبية في ريفي إدلب الجنوبيّ والشماليّ نداءات استغاثةٍ لعدم استطاعة المسؤولين عنها تأمين مادة المازوت لتشغيل المولدات المسؤولة عن عمل حاضنات الأطفال وأجهزة المشافي، مما ينذر بكارثةٍ على المستوى الصحيّ تهدّد حياة مئات الأطفال والمرضى.
وأدّت الأزمة إلى توقف كافة محطّات المياه التي كانت تعمل في مناطق الشمال المحرّر. فيما اعتاد القسم الأكبر الباقي من سكان ريفي إدلب وحلب على الشراء من الصهاريج التي تنقل من آبارٍ تتوزّع في القرى ذاتها مقابل 1500 ليرةٍ للصهريج سعة 40 برميل. أما اليوم، وبعد غلاء المازوت، فقد ارتفع سعر النقلة إلى 6000 ليرة.
باتت أزمة تأمين المحروقات وأسعارها، الآن، الهمّ الشاغل والحديث اليوميّ للسكان في المجالس العامة والخاصّة والأسواق في ريف إدلب، خصوصاً مع اقتراب شهر رمضان. وبينما يلقي غالبية الناس اللوم على تنظيم داعش لأنه المتسبّب الرئيسيّ في الأزمة؛ تستخدم القلة من مؤيدي التنظيم خاصية الإنكار، فتارةً يلومون كتائب الزنكي ويتهمونها بتخزين المازوت ومنع وصوله إلى إدلب، وتارةً أخرى يدّعون بأن للتنظيم الحقّ في محاربة من يحاربه بكافة الوسائل الممكنة!
ولكن أبو أحمد، الستينيّ، وهو صاحب بقاليةٍ في سرمدا، لا يعير هذه الأعذار أيّ اهتمامٍ عندما تدور النقاشات على عتبة محله. فهو يرى أن داعش سيفعل كلّ ما في وسعه لثني جيش الفتح عن إكمال مسيرته باتجاه حلب أو الساحل... الأمر الذي من شأنه أن يقضي على النظام.