حوار عن المجلس المحليّ في جرابلس وريفها:
الأتراك سيزوّدونا بالكهرباء، وسيعاقب القضاء المتورّطين مع «داعش»

أدى احتلال تنظيم «داعش» لمدينة جرابلس، أول العام 2014، إلى تفكك مجلسها المحليّ ثم حله نهائياً، قبل أن يعاد تأسيسه في تركيا، منذ بضعة أشهر، بهدف بناء مؤسّسةٍ قادرةٍ على إدارة شؤون المدينة فور تحريرها، إضافةً إلى تقديم ما يمكن من رعايةٍ لأبناء جرابلس اللاجئين في مدن قرقميش ونزب وعنتاب التركية، حيث تتركز أغلبيتهم.

 وخلال الأيام الأولى بعد التحرير كثف المجلس أنشطته تحضيراً لمباشرة أعماله، بالتزامن مع توسيع دائرة الحوار مع المشككين بكفاءة بعض أعضاءه. وكان الرأي العام لمجتمع المدينة ميالاً إلى تقبل هذا المجلس ولو لمدّةٍ محددةٍ إلى حين تهيؤ الظروف لإجراء انتخابات لاختيار مجلسٍ جديد. ولكن هذا التقبل لم يحل دون تفاقم المشكلات باتجاهاتٍ غير متوقعة، إذ تشكل -وبصورةٍ غامضة- مجلسٌ محليٌّ آخر من أعضاء أثاروا جدلاً واسعاً بسبب الشبهات التي تحوم حول بعضهم، وتطعن في انتمائهم وإخلاصهم للثورة حسب ما يتردد في السجالات العامة لناشطي جرابلس الذين يذهب بعضهم إلى حدّ اتهام أعضاء من هذا المجلس بالولاء لنظام الأسد أو بالتواطؤ مع تنظيم «داعش» أثناء احتلاله المدينة. ويربط أحد الفاعلين في هذا الملف (طلب إغفال اسمه) ما حدث في هذا الشأن بالدور الهدام «لبعض ذوي النفوذ» من أهل جرابلس، الذين «ضللوا الأتراك المسؤولين عن هذا الموضوع». وفي خطوةٍ لافتةٍ أعلن المحامي محمود العلي، رئيس المجلس المحليّ الأول، استقالته في بيانٍ مصوّرٍ بث على شبكة الإنترنت، برّر فيه الاستقالة بحرصه على «قطع الطريق على أصحاب الفتنة الطامحين لضرب النسيج الاجتماعي بين مكونات منطقة جرابلس». وطالب أعضاء المجلس بانتخاب رئيسٍ جديد، وتمنى على الحكومة التركية «إنجاحاً لمشروع درع الفرات أن تتعامل مع هذا المجلس المحليّ الشرعيّ، لأن فيه خيرة الثوار... »، ودعا ثوار جرابلس إلى تفعيل الهيئات والتجمعات الثورية في المنطقة «كسابق عهدها في بداية الثورة».

ونظراً لأهمية الأدوار التي يجب على المجلس أن يضطلع بها، أجرت «عين المدينة» هذا اللقاء مع أحد أعضاء المجلس المحليّ الأول، والذي طلب هو الآخر إغفال اسمه بسبب الجدل الدائر اليوم.

ما هي المهمّات الأساسيّة التي حدّدها المجلس المحليّ ضمن برنامج عمله بعد الخلاص من «داعش»؟
تشغيل كلّ المؤسّسات والمرافق العامة بأسرع وقتٍ وعلى أكمل وجهٍ ممكن، فنبدأ أولاً بتشغيل الفرن الآليّ (الحكوميّ سابقاً) بعد أن فكّكت «داعش» معظم أجزائه وسرقتها أثناء رحيلها عن المدينة. سنركّب، بمساعدة الحكومة التركية، التجهيزات اللازمة ليباشر العمل بأسرع وقتٍ ممكن. وسنعيد تشغيل محطة معالجة وضخّ مياه الشرب على ضفة نهر الفرات فور الانتهاء من صيانتها التي بدأت بالفعل، بالتزامن مع صيانة ما يلزم من شبكة الأنابيب. ويجري الآن أيضاً نزع الألغام التي زرعتها «داعش» في بعض النقاط والمقاطع في شبكة الصرف الصحيّ بغاية تفجيرها أثناء انسحابها، والحمد لله أنها لم تتمكن من ذلك. بدأنا أيضاً بصيانة شبكة الكهرباء ووُعدنا من الجانب التركيّ بتأمين مصدرٍ للطاقة؛ إما بتمديد خط تغذيةٍ مرتبطٍ بالشبكة التركية في مدينة قرقميش، أو بتزويدنا بمولدات كهرباء ذات استطاعاتٍ كبيرةٍ ليتمّ تركيبها بشكلٍ مدروسٍ في مراكز عدّة في أحياء المدينة. وجاري العمل والتحضير لمباشرة عمل المؤسّسات والقطاعات الأخرى.

ما هي خططكم في الملفين الأمنيّ والقضائيّ؟
يولي المجلس المحليّ الجانب الأمنيّ أهميةً خاصة، إذ تتوقف عليه كل أعمال المجلس، بل وتتوقف عليه أيضاً عودة النازحين واللاجئين من أهلنا الذين شُرّدوا داخل سوريا وخارجها. يجب تأسيس قوة شرطةٍ أو أمنٍ منظّمةٍ ومنضبطةٍ يقودها ضباط، لإشاعة جوٍّ من الأمن والأمان للأهالي، وكذلك لتخدم الجهاز القضائيّ المزمع تأسيسه في المدينة. واتفقنا مع الحكومة التركية على ضرورة خروج الفصائل المقاتلة إلى مقرّاتٍ خاصّةٍ خارج المدينة فور انتهاء الأعمال العسكرية المباشرة في محيط جرابلس. وفي ملفّ القضاء بدأنا المشاورات الأولية مع التجمعات والمجالس القضائية والحقوقية الحرّة لتأسيس جهازٍ قضائيٍّ على مراحل، بدايةً من المحاكم الأولية وانتهاءً بتغطية كل الاختصاصات القضائية المطلوبة. وطبعاً سيعمل في هذه المحكمة أو المحاكم قضاةٌ مؤهلون علمياً من القضاة المنشقين عن النظام بعد اندلاع الثورة. وستكون القوانين السورية، بعد تعديل بعض موادها، هي المعتمدة في هذه المحاكم، مع مراعاة الظروف الراهنة. سيُعرض كلّ من اقترف جريمةً على القضاء وسيلقى محاكمةً عادلةً إن شاء الله. لا بغاية العقوبة والانتصار للضحايا والمظلومين فقط، بل لضمان السلم الأهليّ في مجتمع جرابلس، لتمكين القضاء والحؤول دون وقوع أيّ أعمال ثأرٍ وانتقامٍ قد تتعدّى المتهمين إلى ذويهم وعائلاتهم، مما يهدد السلام المجتمعيّ في المدينة.

وفي الجانب التعليميّ والتربويّ؟
يعمل مكتب التعليم الآن مع نظيره في مجلس محافظة حلب -الذي يتبع مجلسنا له- على إعداد خطةٍ لإطلاق العملية التعليمية في مدارس جرابلس، بعد انقطاع أطفال المدينة عن الدراسة لأكثر من عامين ونصف خلال مدّة سيطرة «داعش» التي دمرت المنظومة التعليمية بالفعل. ولا بدّ هنا من تكليف جهازنا التعليميّ بوظيفةٍ أخرى إلى جانب وظائفه المعتادة، وهي إعادة تأهيل الأطفال والمراهقين الذين خضعوا لتأثيرات «داعش» الهدامة، وذلك عبر برامج تأهيلٍ خاصّةٍ يجب إعدادها بعنايةٍ ودقةٍ فائقتين.