لفداي موريس
واشنطن بوست/ 5 نيسان
ترجمة مأمون حلبي
ما تزال المباني التي دمّرتها الحرب في مدينة حمص، المدينة السورية التي أُطلق عليها في وقتٍ من الأوقات وصف عاصمة الثورة، يُخيّم عليها شبح المتمرّدين الذين قاتلوا هنا.
في داخل أحد المباني الواقع فوق دكانٍ يلفّهُ الحزن الشديد كتب بعض المقاتلين أسماءهم –أبو عمر، أبو راتب، أبو شريف– فتركوا بصمتهم قبل تسليم هذا الحيّ وأحياءٍ أخرى قريبةٍ قبل نحو عامين، بعد أن تفوّقت عليهم قوى النظام عسكرياً وواجهوا المجاعة. كتب أحدهم: "أحضر لي قطعةً من البوظة وأطعمني". في الطوابق الأرضيّة توجد فتحاتٌ حفرها المقاتلون في الجدران لكي يستطيعوا التحرّك من بيتٍ إلى آخر دون أن يستهدفهم القنّاصون. رحل المتمرّدون قبل وقتٍ طويلٍ من أحياء حمص القديمة التي كانوا مُحاصَرين فيها، وآخِرُ ألفي مُقاتلٍ نُقِلوا بالباصات في اتفاقٍ برعاية الأمم المتحدة في أيار 2014، لكن معظم العائلات التي كانت في ما مضى تعيش هنا لم ترجع حتى الآن.
تتوالى الشوارع المدمرة واحداً بعد الآخر، لا يقطع صمتها سوى صوت صرير حطامٍ في الريح. هذا الثقب المُشرّع في قلب حمص، التي كانت مدينةً يقطنها أكثر من مليون شخص، شاهدٌ على التحدّي الذي يواجه إعادة بناء مدن سوريا عمرانياً وسكانياً. ويُقدّر البنك الدوليّ أنّ هذا العمل قد تبلغ تكاليفه 170 مليار دولار ويتطلّب جهوداً دوليةً بمستوى مشروع مارشال، الذي ساعد أوروبا في أن تتعافى بعد الحرب العالمية الثانية. لقد دمرت الحرب المشافي وآلاف المدارس وثلث مساكن البلاد، مع استمرارها في تشريد السوريين. لكن حتى في مناطق مثل حمص، التي أصبحت مؤخراً مستقرّةً نسبياً، عدم وجود مالٍ لإعادة البناء، وعدم وجود حلٍّ سياسيٍّ لأزمة سورية، سيمنعان الأُسر من العودة في المدى المنظور. كثيرٌ من الناس خائفون، وكلما امتدّ بقاء هذا المدى من الرُكام على حاله كلما ازداد تمترس السكان السابقين في حياتهم الجديدة في مكانٍ آخر. يقول زياد أخرس، 43 عاماً، وهو عضو لجنة إعادة بناء حيّ باب الدريب: "لقد بدأ الناس حياتهم من جديدٍ خارج البلاد. أبناؤهم في المدارس، ومن المحتمل أنهم قد وجدوا عملاً. لن يعودوا".
برج الساعة القديمة، الذي كان نقطة استقطابٍ هامةٍ للاحتجاجات، أُعيد ترميمه. وعلى مقربةٍ منه ساعد مشروع الإنماء التابع للأمم المتحدة في ترحيل حوالي 70 ألف طنٍّ من الأنقاض من منطقة السوق المركزيّ، ويحاول أن يُشجّع المحالّ التجارية على معاودة عملها. لكن هناك علاماتٍ على الحياة في مناطق أخرى في المدينة القديمة، التي حوصِرت وقُصفت لثلاث سنوات. الدمار الحاصل في المناطق السُنّية بغالبيتها، التي هي أكثر تعاطفاً مع المتمرّدين، كان قاسياً جداً، مما يجعل إعادة البناء عملاً مُحبِطاً للهمم، حتى لو توافرت الإرادة السياسية لذلك. حيّ الخالدية، السُنّي بغالبيته، كان أحد أكثر الأحياء تضرّراً. السقالات حول قبة جامع خالد بن الوليد، التي تمّ إصلاحها من جديد، هي العلامة الوحيدة على عملية إعادة البناء. "من أين يمكن أن نبدأ؟"، قال جهاد يازجي، مدير نشرة Report Syria المختصّة في الاقتصاد السوريّ. "لا توجد عملية إعادة بناءٍ واسعةٌ لأنه لا توجد مصالحةٌ ذات معنى ولأنه لا وجود للمال، ولا وجود للإرادة، وعدم اليقين هو السائد".
جمال، وهو مالك مطعم، يلوم سكان أحياءٍ مثل الخالدية على عدم عودتهم. "حقيقةً، الحكومة متحمسةٌ لإعادة تأهيل المدينة. من ارتكب خطأً ما سيكون خائفاً على الدوام". لكن حتى لو أرادوا العودة، لا يبدو أنه يوجد شيءٌ ذو قيمةٍ يعودون إليه. يرى السيد يازجي "أنّ الناس يحتاجون إلى ضمانات. قد يعرفون أنّ أسماءهم ليست في قائمة المطلوبين على الحدود، لكنهم مع ذلك يشعرون بأنهم تحت تهديدٍ شديدٍ إن عادوا". حجم العمل ضخم، حسب ما يرى صموئيل رزق، مدير برنامج الإنماء التابع للأمم المتحدة في سوريا، وهو يوافق على أنه هناك ضرورةً لحلٍّ سياسيٍّ من نوعٍ ما قبل أن يكون في الإمكان البدء بمشاريع واسعة النطاق. في الوقت الحاضر، يُركّز مشروع الإنماء على جهودٍ ضيقة النطاق من أجل بناء موارد رزقٍ وتعافٍ اقتصاديّ، على أمل أن يوقف ذلك تدفق المهاجرين إلى أوروبا. يقول رزق: "كثيرٌ من الناس يغادرون لأسبابٍ تتعلق بالأمن، لكن كثيرين أيضاً يغادرون من أجل البحث عن فرص".