حقبة النساء في سوريا: الحرب تركت الشوارع خالية من الرجال.. سبع نساء مقابل كل رجل

AFP

ماهر المؤنس
23  تموز عن موقع The Middle East Eye
ترجمة مأمون حلبي

بعد 7 أعوام من النزاع، يزيد عدد النساء في سوريا عن عدد الرجال بنسبة كبيرة، وهذا ما يجعل الحزن يخيم على النسوة في البلاد.

هنا، في شوارع العاصمة، وفي الحوانيت والجامعات، ثمة سؤال ما زال عالقاً دون إجابة سهلة: أين الرجال؟ قبل حرب السنوات السبعة في سوريا، كان من غير الشائع رؤية نساء يقمن بقيادة سيارات الأجرة، أو يقدمن المشروبات في المقاهي ، لأن مهناً من هذا النوع كانت تقليدياً من اختصاص الرجال. لكن في هذه الأيام، فنسوة مثل سائقة التاكسي (جميلة أشقر 40 عاماً)، يجلسن بشكل متزايد خلف المقود، أو خلف طاولات الخدمة في مقاهي العاصمة، ويملأن القاعات الجامعية، ويخدمن الحقول.

عديدة هي الأسباب التي تفسر ذلك، فملايين الرجال قد فرّوا من البلاد ليتجنبوا القتال الدائر أو ليحققوا أحلامهم بالعيش خارج البلاد؛ وقسمٌ آخر من الرجال -من كل أطراف النزاع- بقوا في البلاد فأهلكتهم الحرب: بعضهم مختاراً القتال، وآخرون بلا خيار. ثم مئات آلاف البشر ماتوا في أتون الحرب السورية، وكانت أغلبيتهم الكاسحة ذكوراً.

أدوارٌ جديدة

قبل الحرب، كانت نسبة النساء إلى الرجال متقاربة؛ أما الآن، فمقابل كل رجل يوجد سبع نساء، وفقاً للمفوضية السورية للشؤون العائلية، وهي منظمة غير حكومية تهتم بالقضايا السكانية. وتقدم الأرقام الرسمية صورة مشابهة تقريباً، فوفقاً لجريدة تشرين الرسمية، إن استبعدنا من الإحصاء المقاتلين الذكور والمهاجرين، فإن 65% من السوريين حالياً إناثاً مقابل 35% ذكوراً.

بينما تقود (جميلة أشقر) سيارة أجرة في شوارع المدينة، وهي ترتدي قبعة سوداء فوق حجابها، ينتاب الركاب إحساس بطرافة المشهد عندما يرونها خلف المقود؛ لكن جميلة ترى أن عملها ليس غريباً كغرابة الحرب. تقول جميلة: "قتل زوجي أثناء الحرب. فقدت بيتي. لدي أطفال وعلي أن أقدم لهم الطعام والشراب، لذا قررت أن أعمل على سيارة زوجي". وتتابع جميلة القول إن تصميمها على إعالة أطفالها الثلاثة أقوى من النظرات الغريبة لأولئك الذين لم يعتادوا على  رؤية امرأة تفعل ما يحسّون أنه من عمل الرجال في سوريا. "ليس ثمة عيب في العمل. العيب يأتي مع كل كلمة تسول". ترفض جميلة أن يتم التقاط صورة لها -ليس لأنها تشعر بالخجل من ذلك- إنما لأنها لا تريد أن يُنظر إليها كظاهرة غريبة.

مدينة دون رجال

في بلدة الشيخ بدر الريفية الصغيرة، الواقعة في محافظة طرطوس الساحلية، صورٌ لرجال قُتلوا في الحرب تغطي تقريباً كل جدار؛ وهناك أيضاً صور لجنود أصبحوا مفقودين، مع كلمات من قبيل "عسى أن يرده الله سالماً" مكتوبة تحت الصور. في كل يوم، عندما تذهب (عليا) إلى الحقل لتعنى بأشجار الزيتون، ترى صور أصدقائها القدامى معلقة على الجدران، فحالياً بقي لديها فقط صديقات. "أخشى أني سأبقى وحيدة للأبد. لم يتبقَّ رجالٌ في مدينتنا.

"ممن سأتزوج؟"، تسأل الطالبة الجامعية، 23 عاماً. تخشى (عليا)، وكثيرٌ من صديقاتها في بلدة الشيخ بدر، البقاء عزباوات؛ فقد أنهكت الحرب شعب سوريا.

ترتدي (عليا) قبعة كبيرة من القش، ويبدو وجهها متعباً، وتقول: إنها لم تشذّب حاجبيها منذ زمن بعيد. "لماذا أعتني بنفسي، ومن أجل من أتجمل؟ لا أحد يلتفت إلي". تنظر (عليا) إلى صور شباب طرطوس المعلقة على الجدران: "الصور فقط تنظر إلي، لكنها لا تحس بي".

سنوات الإناث فقط

واحد. اثنان. ثلاث. ليس أكثر. بضع شبان محاطون بالفتيات. جامعة دمشق ترحب بكم. "إنها سنوات الإناث فقط، إنها حقبة النساء. ليس فقط في العمل، بل أيضاً في الدراسة"، تقول الطالبة (ميريلا أحمد 27 عاماً). وتُظهر الإحصاءات الصادرة عن جامعة دمشق أنه في كل معهد أو كلية، باستثناء كلية الطب، يزيد عدد الطالبات على عدد الطلاب. تتفحص (ميريلا) أصابعها، ثم أصابع صديقاتها اللواتي بقربها، تبحث عن خاتم، علامة الخطبة أو الزواج. "كل الأصابع خالية. لا أحد على إصبعه خاتم".

في الجانب الأكثر إشراقاً، تقول بعض النسوة السوريات إن هذا الوضع قد منحهن فرصة لإثبات قوتهن وقدرتهن، وإنهن أنداد لنظرائهن الذكور، و(كاترين) هي إحدى هذه النساء. فمنذ 7 سنوات وهي تعمل مصورة فوتوغرافية تلتقط صوراً لوكالة أنباء عالمية، والصحافة هي مهنة أخرى كان يهيمن عليها الرجال في الماضي، مع ذلك (كاترين) هي واحدة من النسوة اللواتي وجدن الحرية والاستقلالية في كتابة تقارير عن الحرب. تقول كاترين إنها تحب أن تلبس مثل زملائها الذكور، وأن تكون برفقة القوات الموالية للحكومة عندما تزور خطوط الجبهات. "إنها فرصتي لأكون في مكاني المناسب. الحرب ليست شراً بالمطلق. ثمة نقاط إيجابية. لقد منحتني مع كثير من النساء طريقاً للظهور".