جيش الموظفين لدى هيئة تحرير الشام .. حصيلة سنوات التغول والاضطرار إلى العمل

موظفون في مديرية الشؤون الإنسانية التابعة للإنقاذ يحصون عوائل في مخيمات شمالي إدلب - 9 من تشرين الأول 2020 (وزارة التنمية في حكومة الإنقاذ)

تجبر الظروف المادية والمعيشية الصعبة الكثير من المختلفين عن "هيئة تحرير الشام" أو المناوئين لها فكرياً وتنظيمياً على الانضمام إلى صفوفها ومؤسسات "حكومة الإنقاذ"، خصوصاً بعد تهجير ملايين السوريين مع السنوات من قراهم وبلداتهم ومدنهم في كل المناطق، باتجاه شمال غربي سوريا، حيث استقبلت الهيئة آلاف الباحثين منهم عن فرصة عمل لسد العجز في العنصر البشري لديها أمام ضخامة الأنشطة التي تديرها.

فقد راكمت هيئة تحرير الشام في يدها على مدار سنوات قطاعات واسعة من الأنشطة الاقتصادية في إدلب، بدءاً من العام 2017 حين قضت على الفصائل المناوئة لها وأسست حكومة الإنقاذ، التي انبثقت عنها وزارات وهيئات متنوعة تسير الحياة اليومية في المحافظة.

بطبيعة الحال احتاجت كل هذه الأنشطة والمؤسسات في تسييرها إلى "جيش من الموظفين"، الذي بلغ من الحجم بحيث لم يعد قادة الهيئة يستطيعون حصر انتماء أفراده التنظيمي لصفوف الهيئة، ومن باب أولى ولائهم لتوجهها الفكري والعقائدي. وبذلك ضم هذا "الجيش" آلاف السوريين من أصحاب التوجهات السياسية والولاءات العقائدية والانتماءات الفصائلية السابقة المختلفة، والتي يناوىء قسم منها الهيئة أو يختلف معها بشكل من الأشكال.

أبو خالد اسم مستعار لأحد أفراد هذا "الجيش"، نزح خلال الحملة العسكرية الروسية عام 2019 على جنوب إدلب إلى مخيمات شمالها، وبعد أن فقد الأمل في الحصول على فرصة عمل، وجد إعلان عن دورة للانتساب إلى الحواجز لدى الهيئة، وبالفعل تقدم للدورة في البداية عن طريق الانترنت كما يشرح لعين المدينة، وبعد حصوله على الموافقة انضم إليها.

خضع أبو خالد مع متقدمين آخرين ل"دورة شرعية" تقيمها الهيئة في معسكر خاص، وقد استمرت لمدة 22 يوماً تتضمن تعليم المتقدمين على "كيفية التعامل مع الناس على الحواجز" حسب الرؤية الخاصة بالهيئة، كذلك تلقينهم السيرة النبوية ودروس عامة عن الصلاة والوضوء والصيام.

تلا الدورة الشرعية كما يفصل أبو خالد، دورة عسكرية مدتها أيضاً 22 يوماً يتلقى خلالها المتدربون فنوناً قتالية وطرق التعامل مع أي هجوم على الحاجز أو طلب المساعدة في حال وجود خطر يهدد العناصر.

تم فرز أبو خالد بالانتهاء من الدورتين إلى أحد الحواجز في ريف إدلب الشمالي، بعد توقيع عقد لمدة 6 أشهر، من شروطه أن يكمل المتعاقد مدته الكاملة، وفي حال أراد ترك العمل قبل انتهاء المدة فيوجب عليه العقد إخبار "الإدارة العامة للحواجز" قبل 30 يوماً من ذلك.

يتقاضى المتعاقد في العمل على الحواجز 500 ليرة تركية، لكن الهيئة صارت تسلم الراتب 70 دولاراً منذ الانهيار الأخير لليرة التركية، مع سلة غذائية يتراوح سعرها بين 10 دولاراً و15 دولارا، إضافة إلى 15 ليرة تركية "مصروف شخصي" يحصل عليها المتعاقد في اليوم الذي يكون فيه مناوباً على الحاجز، أما بخصوص فترات المناوبة فيقول أبو خالد أنها تمتد لثلاثة أيام كاملة تليها ثلاثة أيام راحة.

في ظروف مشابهة نزح ابو محمد (اسم مستعار) الموظف السابق في مراقبة الأفران، من جنوب إدلب إلى شمالها حيث رفض العمل ضمن "هيئة التموين" في حكومة الإنقاذ بسبب "تصرفاتها" التي لا تراعي فيها سوى مصلحة القائمين عليها حسب قوله، لكنه اضطر إلى القبول مؤخراً من أجل الحصول على مدخول شهري، حيث صار يتقاضى 800 ليرة تركية قبل انهيار الليرة التركية و100 دولاراً حالياً بالإضافة إلى سلة غذائية شهرية وربطتي خبز يومياً.

يشير أبو محمد إلى شعوره بالتناقض وإحساسه بالمفارقة الكبيرة التي ينطوي عليها العمل مع أشخاص لا يثق بهم، ولكن في ذات الوقت يجد نفسه مجبراً على أن يكون مخلصاً بالعمل "لأن ترك الأفران تتلاعب في وزن الخبز سيؤثر على الشعب لا الحكومة".

أما أبو سامر (اسم مستعار) فهو عامل سابق في مهنة "اللياسة" هجر مهنته بعد إصابة ظهره في العمل، ثم دفعته حالته المادية إلى التقديم لدورة انتساب للحواجز، على الرغم من كونه عنصراً سابقاً في الجيش السوري الحر ومن المناهضين فكرياً لهيئة تحرير الشام.

يعتبر أبو سامر أن تحرير الشام وحكومة الإنقاذ أصبحت امراً واقعاً، لذلك لم يتركوا مؤسسات أخرى لطرق أبوابها سواهم. ويضيف أن ذلك سياسة "تفرضها الهيئة حتى على المنظمات الإغاثية، إذ (تستولي) على نسبة من السلال الغذائية شهرياً وتمنحها لعناصر الحواجز والمقاتلين لديها".

من جهته حصل أبو أحمد (مستعار كذلك) وهو خريج لغة عربية على وظيفة ضمن "وزارة التنمية" في حكومة الإنقاذ عن طريق تزكية من أحد أصدقائه في الهيئة، بعد أن فقد الأمل في الحصول على عمل في المنظمات الإنسانية.

ويرافق أبو أحمد اليوم مسؤولي المنظمات الإنسانية خلال عملهم في المخيمات كمراقب من قبل الوزارة، ويساعدهم في توزيع المساعدات وضمان عدم تعرض المدنيين للعاملين ضمن المنظمات الإنسانية. أما سعيه الآخر لكسب رزقه فهو بالتكتم على هواه الصوفي خوفاً من فصله من العمل، بينما يطلق لنفسه العنان في الموالد الدينية التي يحضرها خفية مع أصدقائه.