جميل قدّور... شهيد الصناعة الحربية

«لن ننتظر الدعم الخارجيّ من أحدٍ ولا نعوّل عليه. ردّدنا في مظاهراتنا مطلع الثورة السلميّة (نحن ما نحتاج الناتو، نحن نشيله من نص بيته). سنقاومه ولو بالحجارة، بل سنجعل من أجسادنا جسراً يمتدّ إلى قصره في دمشق»؛ كانت هذه آخر الكلمات التي قالها الشهيد جميل قدّور في مقابلةٍ تلفزيونيةٍ أخيرةٍ معه. هو أحد عشرات بل مئات القادة والمُبدِعين الذين فُجعت بهم الثورة ممن كانوا على قائمة المطلوبين لتنظيم الدولة.

السيرة

أحمد جميل قدور ابن مدينة حريتان. من مواليد 1970. متزوجٌ وله أربعة أولاد. صناعيٌّ مبدعٌ وميكانيكيٌّ ماهر. عمل قبل الثورة في الحدادة وإصلاح السيّارات والمولّدات الكهربائية. ومع انطلاق الثورة كان، مع إخوته الاثنين، من أوائل المتظاهرين في حريتان، إلى جانب (أبو علي منذر) الذي أصبح قائداً للمدينة في ما بعد، الأمر الذي جعل منزل القدّور هدفاً لقوات الأمن والشبّيحة الذين حاولوا اعتقاله واستهداف المنزل أكثر من مرّة، إلا أنه كان يلوذ بالفرار مع إخوته، مرّةً تلو الأخرى، عبر الباب الخلفيّ.

تسليحٌ ذاتيّ

بعد تحرير حريتان عكف قدّور على خدمة العمل المسلح وتفرّغ له، مسخّراً موهبته وخبرته لتصنيع وتطوير بعض الأسلحة المتوسّطة والثّقيلة.

يقول أحد المقرّبين منه: «أطلَعَني الشّهيد القدور على 16 اختراعاً نفّذها في ورشته، بينها قناصةٌ إلكترونيّةٌ يتم التحكم بها ومراقبة أهدافها عن بعدٍ من خلال شاشةٍ صغيرة، تمكّنها من إصابة أهدافها بدقةٍ عالية. كذلك صنع عَرَبة صغيرة تحوي رشاشاً متحرّكاً، يستطيع من خلالها انتشال الجُثث من الأماكن المرصودة من القنّاصين».

اشتُهر أيضاً بتحريك السيارات والتحكم بها عن بعدٍ بشكلٍ كاملٍ وفي كافة الاتجاهات، لاستهداف الحواجز والنّقاط العسكرية. ومن أبرز العمليّات التي كانت له يدٌ فيها استهداف حاجز النّظام قرب المشفى السوريّ الفرنسيّ بحلب بسيارةٍ مسيّرةٍ عن بعد. كما أسهم في تصنيع وتطوير أكبر مدفعٍ محليّ الصنع فاق مداه جميع المدافع المحليّة الأخرى. سلاحٌ بسيطٌ آخر قام بصناعته هو منجنيقٌ يقذف القنابل على خطوط الاقتحام القريبة.

اعتقاله

بعد استشهاد منذر أبرص (أبو علي) الذي كان يعرف بـ«حجي حريتان» احتل أخواه التوأمان الحسن والحسين مكانةً في المدينة وأصبحت لهما كلمةٌ مسموعة، بعد أن كانا عنصرين يعملان تحت إمرة «الحجي». ومما يجدر يذكره أن الحسن والحسين كانا يدرسان الطبّ في بريطانيا، وعادا إلى سورية في بداية الثورة، ثم ما لبثا أن بايعا تنظيم الدولة فور سيطرته على المدينة، ولا يزالان على رأس عَمَليْهما إلى الآن كأمراء لدى داعش في «ولاية الرقة».

أواخر عام 2013، وعقب احتدام القتال بين داعش ولواء شهداء بدر (خالد حياني)، توجّه الأَخَوان إلى منزل القدّور في مدينة حريتان، وقاما بطلب جميل وأخيه (وهو صديق طفولتهما، وشريك أخيهما أبو علي في الثّورة وحمل السلاح)، وأخبراهما أنهما سيحلان ضيفين عليهما لطرح بعض الأسئلة سريعاً وإطلاق سراحهما، ليُغيّب المخترع جميل بعدها في سجون التنظيم بتهمة التعامل مع «شهداء بدر». لم يشفع له الخبز والملح ولا عِشرة العمر والجِوار بين عائلته وعائلة الأبرص قبل الثورة وبعدها!

في مقبرةٍ جماعية

في شباط 2014 انسحب تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام من مدن وبلدات حريتان وكفر حمرة والملاح وباشكوي ورتيان باتجاه ماير وأعزاز، بهدف إحكام السيطرة على الشريط الحدوديّ كاملاً، بعد أن سيطر على الراعي وجرابلس ومعبر تل أبيض. ومع عودة حريتان إلى عهدة الجيش الحرّ عُثر على جثّة القدور في مقبرةٍ جماعيةٍ حَوَت أكثر من 30 جثّةً تمّ استخراجها من المعهد المتوسط للكهرباء.

طُويتْ صفحة الجميل قدّور على يد داعش كما طُويت عشرات الصفحات قبله ولا تزال؛ لتعود إلى أذهاننا قصص عشرات المبدعين السوريين الذين تغصّ بهم سجون البعث، ممن لا يزال بعضهم على قيد الحياة.