من أمام أحد المطابخ الإغاثية | خاص عين المدينة
بعدما سيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" على مدينة دير الزور أصدر جملةً من القرارات المتعلقة بالعمل الإغاثيّ فيها، مما يضاعف الأعباء التي يتحملها ناشطو الإغاثة، ويهدّد بحرمان آلاف المستفيدين منها.
في اجتماعه مع ممثلي المنظمات الإغاثية العاملة في دير الزور، تعهد مندوب "الدولة" بتلبية احتياجات المنظمات في حال موافقتها على شروط العمل الجديدة، وهي تسليم نصف وارادت هذه المنظمات، العينية والنقدية، للتنظيم.
وجاءت استجابة ناشطي الإغاثة لشروط الدولة ضعيفة. فقد آثر الكثيرون منهم إيقاف نشاطهم والخروج من المدينة، نظراً لاستحالة العمل وفقاً لشروط التنظيم، كما أوقفت كثيرٌ من الهيئات الداعمة تعاملها مع من تبقى من منظمات الإغاثة المحلية، مما سيخلف آثاراً كارثية على العمل الإغاثيّ وعلى آلاف العوائل المعتمدة عليه بشكلٍ رئيسيٍّ في تأمين متطلبات حياتها اليومية.
المطابخ الخيرية
يميز ناشطو الإغاثة في دير الزور المطابخ الخيرية عن باقي الفعاليات الإغاثية. وبدأت تجربة هذه المطابخ مع منظمة روافد التي كانت رائدةً في هذا الجانب بافتتاحها أوّل مطبخٍ خيريٍّ في المدينة في عام 2012. وتمكنت روافد من مواصلة تشغيل مطبخها خلال أوقاتٍ صعبةٍ مرّت بها دير الزور. وما زال مطبخها يعمل رغم التضييق الكبير من جانب التنظيم، في حين عجزت منظماتٌ أخرى عن ذلك، بما فيها مكتب الإغاثة التابع للمجلس المحليّ، الذي أوقف العمل في مطبخه الخيريّ، مما حرم أكثر من 350 عائلةٍ من وجبة طعامٍ يومية. في حين يمرّ مطبخ منظمة "بنيان" بأيامه الأخيرة، بعد توقف الدعم المقدّم له من هيئاتٍ كويتيةٍ، بانتظار ما ستسفر عنه قرارات الحكومة الكويتية بخصوص أنشطة الإغاثة في الأراضي الخاضعة لتنظيم الدولة في سوريا. ومنذ سيطرة التنظيم على مدينة دير الزور قبل شهرين، طرأت تغييراتٌ كبيرةٌ على العمل الإغاثيّ، بدأها التنظيم بتتبع ممتلكات المكاتب الإغاثية التابعة للتشكيلات العسكرية، فصودرت أدوات مطابخ ومحتويات مستودعات كلٍّ من جبهة النصرة وحركة أبناء الإسلام وغيرها من الفصائل المسلحة التي ناصبته العداء. وافتتح التنظيم، مستخدماً التجهيزات المصادرة، مطبخه الخاص. في حين تعرّض بعض أعضاء ومسؤولي المنظمات الإغاثية للملاحقة من قبل مسلحي التنظيم، كما حدث مع مسؤولٍ في"هيئة الشام الإسلامية" اعتقله التنظيم فور سيطرته على المدينة. وصودرت ممتلكات الهيئة بحجة بيانٍ سابقٍ صدر عنها اعتبرت فيه إعلان الخلافة "فتنةً ومخالفةً للشريعة وتشويهاً لصورة الإسلام وإظهار دولته كدولة قتلٍ وإرهابٍ وجريمة".
وحاولت معظم المنظمات الإغاثية اتباع سياسة النأي بالنفس عن الصراعات العسكرية، وتجنب الانحياز إلى أيٍّ من الفصائل، حرصاً على استمرار عملها في ظلّ واقعٍ تتغير فيه القوة السائدة بين وقتٍ وآخر. غير أن هذه السياسة لم تشفع لهذه المنظمات أمام تعنت تنظيم الدولة ورغبته في السيطرة على مفاصل الحياة، الصغيرة منها والكبيرة. وأخيراً، جاء قرار التنظيم باقتسام واردات المنظمات الإغاثية مناصفةً ليؤكد نزعة السيطرة المطلقة لديه.