تحت القصف.. كيف تقضي مئات العائلات أيامها في ريف إدلب الجنوبي

متداولة للقصف على ريف إدلب الجنوبي

تعيش مئات العائلات في قرى ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي رغم القصف المتواصل على المنطقة، بسبب عجزهم عن النزوح لأسباب مادية، ويفضل الكثير منهم البقاء تحت القصف على الجلوس تحت أشجار الزيتون دون مأوى، وقد كيفوا أسلوب حياتهم مع الوضع الجديد وسط الخوف من حمم الطائرات وانقطاع سبل الحياة.

يحمل المدنيون الذين يريدون التنقل أجهزة لاسلكية "قبضة" لتتبع حركة الطيران، وخصوصاً في الليل إذ تنشط حركة الحربي الرشاش الذي يستهدف السيارات والدراجات النارية، لذلك يلجأ الجميع لإطفاء الأضواء لتجنب الاستهداف بنيرانها، ويشمل ذلك حتى إنارة المنازل التي باتت تستهدف بالصواريخ الفراغية مؤخراً. يقول محمد أبو أيهم الذي يملك محلاً لبيع العطورات في ريف إدلب الجنوبي أغلقه مؤخراً بسبب القصف الجوي، "الوقت الأمثل للخروج من أجل جلب الحاجيات هو السادسة صباحاً، وقتها تفتح بعض المحال التجارية وبسطات بيع الخبز لبضع ساعات، أو قبل غروب الشمس بقليل عندما تخف حركة الطيران الحربي في الأجواء، بعد نهار من الغارات الجوية أو رشقات الراجمات الصاروخية".

يضطر المتبقون من أهالي ريف إدلب الجنوبي إلى العمل في الخامسة صباحاً لجني محاصيل البندورة والعجور، التي يبيعونها في الأسواق باكراً قبل إغلاق محال بيع الخضروات الصيفية في السابعة صباحاً لتجنب رصدها من قبل طائرات الاستطلاع واستهدافها. وقد قامت مئات الأفران والصيدليات والمحال التجارية بإغلاق أبوابها ونقلها إلى مناطق ريف إدلب الشمالي، فيما بقي قسم قليل منهم يعمل بشكل جزئي وبأيام محددة، فيما أغلقت المستشفيات أبوابها بعد تعرضها لغارات مكثفة أدت إلى تهدم قسم كبير منها.

في بعض الحالات يستحيل تأمين قوت اليوم بالنسبة إلى الكثيرين، يقول علاء أبو محمد "خلال أربعة أيام سابقة لم يكن هناك مخابز قريبة، بالإضافة إلى استحالة الخروج من المنزل بسبب تعرض المدينة للقصف بشكل متواصل، لذا كنا نقوم بترطيب الخبز اليابس بالشاي للأطفال، إذ لم يبق لدينا سوى بعض الشاي والسكر والأرز والبرغل". ويعيش علاء في إحدى الصالات الرياضية في كفرنبل منذ تهجيره من الغوطة الشرقية قبل عام ونصف من الآن، ويعتمد في معيشته على المنظمات الإنسانية بشكل كامل بعد توقفه عن العمل منذ سبعة أشهر، لكن المؤسسات الخيرية لم تعد تستطيع الوصول إلى المناطق التي تتعرض للقصف، في حين لم يستطع علاء النزوح إلى مناطق الريف الشمالي بسبب عدم امتلاكه تكاليف نقل عائلته واستئجار منزل لها في تلك المنطقة.

عبر أحد محال الصرافة وصلت إلى علاء 50 دولاراً كمساعدة من أحد أقربائه، ولكنه احتاج أسبوعاً كاملاً لتسلم المبلغ، حين عاد صاحب المحل لبلدته القريبة من مناطق القصف، "اضطررت للمشي مسافة 8 كم لعدم وجود آلية لنقلي إلى مكان تواجد الصراف"، يقول أبو محمد.

توقفت أغلب المصالح بعد نزوح معظم الأهالي، وأصبح آلاف الشبان عاطلين عن العمل، لذلك اضطر الأهالي لصرف المدخرات أو بيع آلياتهم أو مواشيهم من أجل كسب قوت يومهم، ويرى يوسف الدربي الذي يعمل على نقل المياه بالصهريج للأهالي المتبقين في المنازل، بأن "البقاء في البلدات والمدن يوفر على العائلة أكثر من نصف المصروف، بسبب الانخفاض الكبير في أسعار الخضروات نتيجة النزوح، في حين أن القسم الأكبر من الأهالي بات يقتصر على شراء الحاجيات الضرورية والاقتصاد في المعيشة".

 وقد قام بعض المتبرعين من المغتربين بجمع مبالغ مالية وإرسالها إلى المناطق التي تتعرض للقصف، لتوزيعها على العائلات التي بقيت تحت الطائرات لدعم صمودهم، أو لمساعدتهم على النزوح في حال رغبتهم، ومنها تم توزيع مبلغ 20 ألف ليرة سورية لكل عائلة، بالإضافة إلى التكفل بنقل العائلات إلى الشمال السوري بشكل مجاني. أبو سعيد اللاذقاني أحد المدنيين الذين تسلموا منحة مالية، وما زال يعيش في ريف إدلب الجنوبي يقول إن "هذه المبالغ تساعدنا على تحمل أعباء المعيشة لمدة أسبوعين، ولكنها لا تمكننا من تحمل أعباء النزوح، لأن أجور المنازل تتجاوز 100 دولار، وتحتاج العائلة التي تنوي العيش في ريف إدلب الشمالي إلى 300 دولار شهرياً".

 يلتقط الباقون من السكان أنفاسهم بين نوبات القصف، ويحاولون توظيب حياتهم على وقع انفراج الأجواء واكتظاظها بالطائرات والصواريخ، وقد كانت لحظات إرادة الحياة في بداية معايشتهم القصف تأخذ أشكالاً وأوقاتاً متفرقة، لكنها أصبحت مع التجربة أكثر تحديداً والتزاماً بمواعيد معينة، فعلى سبيل المثال يجتمع بعض الرجال عصراً في المناطق الجبلية التي تعد أكثر أمناً من المناطق ذات الازدحام السكاني من أجل الترويح عن أنفسهم.

ومع تحليق طائرات الاستطلاع يضطر الجميع إلى تفريق آلياتهم ودراجاتهم النارية خوفاً من رصدها من قبل الطائرات، التي باتت تحلّق لساعات طويلة بحثاً عن أهداف لقصفها، ويتفرق الجمع مع غروب الشمس خوفاً من استهدافهم برشاشات الطائرات الحربية، على أن الخوف من رصد طائرات الاستطلاع للتجمعات خلقت مناوشات عدة وصلت لحد الاشتباك بالأيدي بين الجيران، إذ يخشى البعض قصف الحي نتيجة تجمع عدة سيارات أو دراجات نارية أمام منزل أحد الأشخاص أثناء استقبال ضيوفه، بينما لا يرى صاحب المنزل أي ضرر في ذلك.