"ما عرفت ابني وقت رجعلنا... متغيّر كثير.. قالولي يمكن يكونون مجندينو، لأنو هاي مو أوّل مرّة يخطفون أولاد الناس". بهذه الكلمات علقّت والدة الطفل علاء، البالغ من العمر 11 عاماً، بعد الاختفاء المفاجئ لابنها، والذي دام قرابة ثلاثة أشهرٍ، قبل أن يعود إلى منزل أهله في مدينة الميادين.
تقول الأم: ذات يومٍ خرج ليلعب ورفاقه كرة القدم، ولم يعد إلى البيت. بدأ والده وأخوته البحث عنه دون جدوى. وبعد شهرين من اختفائه علمنا أنه التحق بأحد المعسكرات التدريبية التابعة لداعش، من خلال رسالةٍ أرسلها لنا مع أحد أصدقائه من خرّيجي المعسكر.
ولا تعدّ هذه الحادثة الأولى من نوعها في المنطقة؛ فقد سُجّلت حالاتٌ عديدةٌ لاختطاف أو التغرير بالأطفال بقصد تجنيدهم في مناطق مختلفة من مدن وقرى ريف دير الزور. كما جرى مع طفلين من قرية الصبحة، التابعة لناحية البصيرة، إذ اختفى الطفلان، اللذان لا يتجاوزان الـ12 من العمر، بعد ذهابهما إلى درس القرآن في مسجد القرية، ليتبيّن لاحقاً أنه تمّ تجنيدهما على يد التنظيم وفق شهادات أهالي المنطقة.
لكن، إلى جانب هذه الحوادث؛ ينتهج التنظيم سياسة تجنيد الاطفال منذ مدّة. فقد سبق أن افتتح عدّة مكاتب للتجنيد تحت مسمّى "أشبال الخلافة" في كلٍّ من مدينتي الميادين والبوكمال، يتمّ فيها استقبال الأطفال دون سنّ الـ18. ويتولى مسؤولو هذه المكاتب حثّ الأهالي على إرسال أبنائهم للتسجيل، إضافةً إلى استقطاب الأطفال الراغبين في الالتحاق دون موافقة أولياء أمورهم. ويعمد التنظيم إلى استمالة الأطفال الذين يرتادون المساجد للصلاة وحفظ القرآن، وأقرانهم الذين يتجمّعون أثناء تطبيق أحكام التعزيز والحدود، من خلال التودّد إليهم عن طريق إقامة الخيام الدعوية وبث أشرطةٍ دعائيةٍ عن "انتصارات" التنظيم، وتقديم الهدايا من ألعابٍ وجوائز مالية.
بالتزامن مع ذلك، اعتمد التنظيم على تجهيز عدّة معسكراتٍ تدريبيةٍ، عُرف منها: معسكر مدينة معدان، ومعسكر الشعيطات في دير الزور، ومدرستان في ريف الرقة ومدينة الطبقة، ومعسكرٌ آخر في تلعفر العراقية التابعة لـ"ولاية الجزيرة" تحت اسم معهد عبد الله بن عمر. ويتمّ إرسال الأطفال والمراهقين إلى هذه المعسكرات بنظام المدرسة الداخلية التي تكون مسؤولةً عن معيشتهم وإعدادهم. ويجري، خلال مدّة المعسكر، إلحاقهم بدورةٍ شرعيةٍ مدّتها 45 يوماً يتمّ فيها تلقينهم نواقض الإسلام والأصول الثلاثة وفقه الجهاد وفق الرؤية الداعشية، وتقدّم لهم وجبة طعامٍ واحدةٌ في اليوم، بقصد تعويدهم الصبر وقوّة التحمل. وبعد انتهاء الدورة الشرعية، والنجاح في امتحانها؛ تبدأ الدورة العسكرية، ومدّتها ثلاثة أشهر. يتدرّب فيها المنتسبون الصغار على القتال وحمل مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة واستخداماتها، فضلاً عن تصنيع القذائف والقنابل، وفق أحد العاملين في مكتب "أشبال الخلافة". وبحسب مصادر مقرّبةٍ من التنظيم؛ بلغ عدد الأطفال الذين التحقوا بمعسكرات "ولاية الخير" وحدها قرابة الـ250 طفلاً، يشكّل أبناء المهاجرين نسبةً كبيرةً منهم.
ويبدو أن الهدف الرئيسيّ من تجنيد الأطفال وتدريبهم هو إشراكهم في الجبهات التي يعاني فيها التنظيم من نقصٍ في أعداد المقاتلين، مثلما حصل في مدينة عين العرب/ كوباني. إذ ذكرت العديد من المصادر أن أعداد الأطفال الذين قتلوا في معارك السيطرة عليها، الذين نقلت جثثهم إلى مدينة الرقة، يفوق الـ30 طفلاً. لكن الأمر لا ينحصر بالأدوار القتالية المباشرة، إذ بات من الشائع الآن مشاهدة الأطفال على حواجز ونقاط تفتيش التنظيم، الذي يستخدمهم أيضاً للتجسس والوشاية بالأهالي.
لا تلقى فكرة تجنيد الأطفال قبولاً لدى أهالي المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم، إذ يعمد الكثير منهم إلى منع أبنائهم من الخروج والاختلاط مع أبناء المهاجرين من عناصر التنظيم على وجه الخصوص، فيما لجأ البعض الآخر إلى السفر أو إلى تسفير أبنائهم حيث أقاربهم خارج هذه المناطق، بعد توقف المدارس وبروز خطر التجنيد. وفي هذا السياق شهدت مدينة الميادين، قبل أسبوعين، حادثة اعتقال رجلٍ رفض إلحاق ابنه بمعسكرات التنظيم، بعد مشادّة حصلت بينه وبين أحد مسؤولي مكتب "أشبال الخلافة".