100 ضحيّةٍ خلال شهرين، ومئاتٌ من مجهولي المصير
نتيجة الهزائم المتكرّرة التي تعرّض لها تنظيم "الدولة الإسلامية" على جبهات القتال في الفترة الأخيرة، وبعد الضربة الموجعة التي تلقاها إثر عملية الإنزال في حقل العمر النفطيّ؛ شهدت محافظة دير الزور تزايداً ملحوظاً في وتيرة الإعدامات الميدانية خلال الشهرين الماضيين. وهي سياسةٌ ممنهجةٌ يتّبعها التنظيم في المناطق الخاضعة لسيطرته، لبثّ الرعب والهلع في نفوس الناس، وقمعهم بهدف إحكام السيطرة عليهم، وتحذيراً للخلايا النائمة التي تخطّط لمقاتلته.
لم يكتفِ التنظيم ببثّ الأشرطة الدعائية على مواقع التواصل الاجتماعيّ، عبر ما يسمّى بـ"المكتب الإعلاميّ لولاية الخير"، بل تجاوز ذلك إلى التفنّن في القتل والتصوير والإخراج. إذ اتخذ من آثار المنطقة وضفاف الفرات مكاناً لتنفيذ وتصوير إعداماته في إصداراته الأخيرة، كما في الإصدار المرئيّ "فوالله لنثأرن 2"، الذي تمّ تصويره في قلعة الرحبة قي مدينة الميادين في شهر رمضان. ويظهر فيه أربعة أشخاصٍ، قيل في الإصدار إنهم تابعون لقوّات النظام، يرتدون الزيّ البرتقاليّ، يتمّ إعدامهم رمياً بالرصاص في الرأس. كما تمّ إعدام قرابة الـ20 شخصاً في مدينة الميادين بعد عدّة أيامٍ من نشر الإصدار السابق.
وفي مدينة هجين تمّ إعدام محمد حمود الفرحان ذبحاً بالسيف أمام حشدٍ من السكان، بتهمة السحر والشعوذة. ونشر المكتب الإعلاميّ للتنظيم صور عملية الإعدام. ورفض التنظيم تسليم جثة الفرحان لذويه، فظلت ملقاةً على قارعة الطريق، في سلوكٍ متكرّرٍ لداعش التي ترفض، في معظم الحالات، تسليم جثث من أعدمتهم لذويهم، باعتبار هؤلاء الضحايا "مرتدّين لا يجب دفنهم في مقابر المسلمين". وتبقى الجثث والرؤوس المقطوعة معلقةً على الصلبان أو ملقاةً في الساحات العامة للمدن والبلدات التي نفذ فيها الحكم، فتكون بذلك عبرةً للمارّة في الطريق، على حدّ زعم عناصر التنظيم.
ويحرص التنظيم على تنفيذ الإعدامات في الأماكن العامة والساحات أمام الملأ. كما يهتمّ بحضور الأطفال لها. وفي بعض الأحيان يقوم أطفالٌ مجنّدون في صفوفه بعملية الإعدام وحمل الرؤوس المقطوعة والتقاط الصور تباهياً.
ولم تقتصر إعدامات التنظيم على الرجال، بل شملت النساء أيضاً. فقد قام بإعدام امرأتـين بتهمة السحر والشعوذة ذبحاً بالسيف في مدينة البوكمال، بعد الإيقاع بهما بإرسال امرأةٍ "أنصاريةٍ" إلى كلٍّ منهما بحجّة أنها تريد الزواج بعد أن تقدّمت في السنّ وأصبحت عانساً، لتستجيب الضحيتان –وفق مصادر داعش- بكتابة الطلاسم لفكّ "السحر". وخلال وقتٍ قصيرٍ، بعد خروج "الأنصارية"، ألقت شرطة داعش القبض على المرأتين. وطريقة الإيقاع وتوريط المتهمين سلوكٌ منظّمٌ ومتكرّرٌ من قبل داعش، باستعمال أساليب يخالف كثيرٌ منها الشريعة الإسلامية.
ويقدّر عدد ضحايا الإعدامات خلال الشهرين الأخيرين بقرابة الـ100 ضحيةٍ في مدن وقرى المحافظة. إلا أن الأرقام الحقيقة لضحايا داعش أكبر من هذا الرقم، إذ يضاف إليه من يموتون تحت التعذيب في سجونها، وآخرون يتمهل التنظيم في إعلام ذويهم بمقتلهم.
خلال عامٍ من سيطرة داعش على دير الزور أزهقت أنفساً كثيرةً تحت ذرائع مختلفةٍ كان أبرزها ما أطلقه شرعيوها على أبناء عشيرة الشعيطات صيف العام الفائت من أنهم "طائفةٌ ممتنعةٌ بشوكة"، ليرتكب التنظيم سلسلةً من المذابح الجماعية راح ضحيتها المئات منهم. ثم لتبدأ حفلات إعدام أفرادٍ ومجموعاتٍ بتهم الردّة والتجسّس والتعامل مع "الصحوات"، وغير ذلك من التهم التي تستوجب القتل وفق محاكم داعش.
وبين حينٍ وآخر يطلق التنظيم حملات اعتقالٍ واسعة النطاق في مناطق مختلفةٍ، كما حدث أخيراً في مدينة موحسن، وقبلها في مدنٍ وبلداتٍ أخرى من المحافظة. وقد أطلق سراح بعض المعتقلين، وأعدم البعض الآخر، فيما اعتبر مئاتٌ في عداد المفقودين.