بعد تحديد موعد جولة المفاوضات.. روسيا تتجه إلى وأد الحل السياسيّ

على خلفية إصدار مجلس الأمن قراره الخاصّ بسوريا رقم 2254، أكد المبعوث الدوليّ للسلام ستيفان ديمستورا أنه لن يسمح للتطوّرات المستمرّة على الأرض بإخراج العملية السياسية عن مسارها. جاء ذلك في بيانٍ دعا فيه وفدي المعارضة والنظام إلى عقد جولةٍ من المفاوضات في مدينة جنيف السويسرية في الخامس والعشرين من هذا الشهر. لكن، ورغم تركيز ديمستورا على إنجاز مهمة جمع المعارضة والنظام كبوصلةٍ للحلّ في سوريا؛ لا يمكن اعتبار "التطوّرات المستمرّة على الأرض" سوى انعكاسٍ مباشرٍ للمشهد السياسيّ الدوليّ ومستقبل العملية السياسية المرتقبة.

الإبادة كمقدّمةٍ للسياسة

شهدت الأيام الأخيرة من عام 2015 عدّة أحداثٍ ميدانيةٍ مهمّة. ففي الوقت الذي تمّ فيه بدء تطبيق المرحلة الثانية من اتفاق الزبداني-كفريا والفوعة، الذي يقضي بإخراج الجرحى وبعض المدنيين من المنطقتين إلى إدلب وإلى السيدة زينب عبر تركيا ولبنان وبإشرافٍ إيرانيٍّ، شدّد النظام حصاره على بلدة مضايا وقصفه لمعضمية الشام مستخدماً الغازات السامة والبراميل المتفجرة، موقعاً عشرات الضحايا. وفي هذه الأثناء كانت الميليشيات الشيعية تشن هجوماً على منطقة مرج السلطان محاولةً إطباق الحصار على الغوطة الشرقية، تحت مظلة الغارات الجوية الروسية التي استهدفت مختلف المناطق في الغوطتين، وسط معارك طاحنةٍ مع الفصائل الثورية التي تمكنت من استعادة عدّة نقاطٍ كانت قد خسرتها هناك رغم الاغتيال الذي نفذته الطائرات الروسية بحقّ قائد أكبر فصائل الغوطة (جيش الإسلام) زهران علوش رفقة اثنين من معاونيه. وفي جبهةٍ أخرى لا تزال المعارك قائمةً بين الثوّار وميليشيات النظام بعد أن شنت الأخيرة هجوماً على اللواء 82 المحرّر ومدينة الشيخ مسكين الإستراتيجية في ريف درعا. تشير جملة المعطيات السابقة إلى إصرار النظام، وروسيا وإيران كشريكين عمليين له، على تحقيق ما أمكن من مكاسب ميدانيةٍ عبر نهج المجازر والحصار ووفق جدولٍ زمنيٍّ يسبق المفاوضات وأيّ قرارٍ مرتقبٍ بوقف إطلاق النار. لكن نتائج البربرية الروسية الأسدية لم تفلح في تغيير المعادلة على الأرض وفي "السياسة"، وإن كُتب لإرهاب البراميل والصواريخ الفراغية النجاح في بعض المواضع عبر التجويع والمجازر.

ملاحقة الكاذب

ربط مراقبون كثرٌ اغتيال قائد جيش الإسلام زهران علوش بغايةٍ روسيةٍ تهدف إلى خلخلة صفوف المعارضة التي توافقت في الرياض بحضور ممثلين عن 15 فصيلاً ثورياً بينهم جيش الإسلام، وشكلت الهيئة العليا للمفاوضات. وعبّر المسؤولون الروس أنفسهم عن هذه النية من خلال تصريحات وزير الخارجية الروسيّ الذي قال إن وفد المعارضة يحوي ممثلين عن "جماعاتٍ إرهابيةٍ" تارةً، أو باعتبار هيئة التفاوض لا تمثل جميع أطياف المعارضة تارةً أخرى، ليطلب إدراج أسماء شخصياتٍ تروق للمزاج الروسيّ ضمن وفد التفاوض، كرئيس حزب الاتحاد الديموقراطيّ الكرديّ صالح مسلم وزميله هيثم مناع. لكن، بالمقابل، صحيحٌ أنّ هناك العديد من المكاسب التي حققها النظام وحلفاؤه باغتيال قائدٍ ميدانيٍّ هامٍّ كعلوش، إلا أنّ توقيت العملية يعكس الصراع الميدانيّ بين المعسكر الروسيّ من جهةٍ وبين معسكر الدول الداعمة للثورة من جهةٍ أخرى، خاصّةً بتزامن العملية مع ما رشح من تسريباتٍ عن عدم احتواء قائمة المنظمات الإرهابية التي أعدّها الأردن على اسم جيش الإسلام، ما دفع الروس إلى توجيه رسالةٍ للدول الداعمة للثورة مفادها أنّ الطريق إلى التسوية يجب أن يمرّ عبر الموافقة الروسية. ورغم ذلك بدا ردّ فعل الهيئة العليا للمفاوضات متوازناً، إذ سلمت أسماء وفد المعارضة التفاوضيّ، الذي يضم 34 من المرشحين، ومثلهم للوفد الاستشاريّ، للأمم المتحدة، على أن تتم مناقشة التفاصيل في لقاءٍ سيجمع وفد المعارضة مع ديمستورا في الأيام القادمة. وبذلك قطعت المعارضة الطريق أمام التدخل الروسيّ في الأسماء وما يصاحب ذلك من محاولات تفكيك نتائج مؤتمر الرياض، الذي تصدّر مقرّراته الإجماع على رحيل النظام وكافة رموزه، وهذا ما تعمل الإستراتيجية الروسية ضده.

يبدو المشهد شديد التعقيد وعلى الصعد كافةً، في ظلّ استماتةٍ روسيةٍ في الدفاع عن النظام المهترئ ولعب الأمم المتحدة والدول الكبرى دور الموظف التوفيقيّ. لكن يبقى أن الثورة مستمرّةٌ وعلى كافة الصعد أيضاً، فلا خيارات أخرى إلا للمخدوعين.