وشركة هيسكو حسواني تعاقب مهندساً بالإعدام بنيران التنظيم
في نهاية العام الفائت بدأ إنتاج الغاز في حقل توينان (80 كم جنوب الطبقة)، وبدأ كذلك تشغيل معمل معالجة هذا الغاز في الموقع الرئيسيّ للحقل ثم ضخّ الغاز الجافّ المعالج في المعمل عبر أنبوب النقل إلى محطة توليد الطاقة الكهربائية الخاضعة لسيطرة داعش قرب مدينة حلب. نشرت "عين المدينة" آنذاك (العدد 38/ كانون الأوّل 2014) تقريراً خاصّاً عن مشروع توينان باعتباره نموذجاً للشراكة بين نظام الأسد وتنظيم داعش، وحدّد التقرير الدور الذي لعبته شركة هيسكو المنفذة للمشروع والمملوكة لرجل الأعمال جورج حسواني.
ونحاول هنا عرض الواقع الحاليّ لمشروع توينان ورصد التغيّرات التي حدثت خلال عامٍ من مباشرة الإنتاج فيه.
الحالة الفنية وتراجع الإنتاج
شهد الإنتاج اليوميّ من الغاز المستخرج والمعالج في حقل توينان تراجعاً كبيراً. إذ انخفض معدّله من حوالي مليون مترٍ مكعبٍ يومياً قبل عامٍ إلى حدود 700 ألف قدمٍ مكعبٍ حالياً، وانخفضت بطبيعة الحال كميات المتكاثفات الغازية (الكوندينسات) من 2000 برميلٍ في اليوم إلى 250 برميلٍ الآن.
في الأشهر الأولى من العام الحاليّ استقرت حصص تقاسم الطاقة الكهربائية المولَّدة في محطة حلب الحرارية، المشغلة بغاز توينان، على نسبة 60% للنظام، و40% للتنظيم. وتفاوتت الاستطاعات المولَّدة في المحطة حسب قدرة فريق الصيانة فيها على مواجهة التحديات المختلفة، من النواحي الفنية والأمنية واللوجستية. وكان للأعطال الفنية الطارئة، ودرجة توافر قطع التبديل اللازمة للصيانة، وكذلك كميات الوقود الغازيّ القادم من توينان وجودته؛ دورٌ رئيسيٌّ في عمل المحطة الذي توقف نهائياً بسبب قصف طائرات الأسد العشوائيّ لمحيطها حيث تقع وحدة استقبال الغاز القادم من توينان، والتي أصيبت في إحدى الغارات بأضرارٍ بالغةٍ أخرجتها عن الخدمة، لتتوقف بذلك إمدادات المحطة من الغاز وأوقف العمل فيها بشكلٍ كامل، مما أسهم في تعقيد ظروف العمل في مشروع توينان، إذ رفض التنظيم عرض النظام بضخّ الغاز من المعمل إلى شبكة النقل المغذية لمحطات توليد الكهرباء الأخرى. وبهذا صار الغاز المستخرج من آبار توينان والمعالج في المعمل هناك دون فائدةٍ لأحد، مما اضطرّ المهندسين الحقليين إلى التخلص منه بضخّه إلى شعلة الاحتراق، بانتظار ما ستسفر عنه المفاوضات والتفاهمات السرية بين شريكي هذا المشروع المتعنّتين داعش والنظام.
قبل خمسة أشهرٍ من اليوم، هبطت طائرةٌ مروحيةٌ تحمل خبيراًً فنياًً موفداً من شركة stroy trans gas الروسية في محيط الحقل، وسط استنفارٍ أمنيٍّ لعناصر داعش. واجتمع الخبير مع كبار مهندسي شركة هيسكو بوصفها مقاولاً ثانوياً أمام الشركة الروسية، بحضور أبو بكر الأردنيّ أمير الحقل. وعلى الأرجح لم تكن طائرة هذا الخبير هي الطائرة الوحيدة التي هبطت في الموقع.
تؤكد الشهادات التي حصلت عليها "عين المدينة" من مهندسين وفنيين في المشروع على تراجعٍ حادٍّ في الحالة الفنية لوحدات العمل الرئيسية والجزئية، إذ تتكرّر الأعطال المختلفة لأسبابٍ عدّة، يمكن إجمالها بما يلي:
- عدم التزام شركة هيسكو بالشروط والمعايير الفنية في أعمالها المنفذة على مراحل خلال السنوات السابقة، قبل الثورة وبعدها، وخاصّةً الأعمال التي نفذتها بعد خروج الموقع عن سيطرة النظام.
- تلكؤ هيسكو أو تباطؤها المتعمّد في تنفيذ الأعمال المتبقية، وخاصّةً بعد أن استلمت معظم مستحقاتها المالية من وزراة نفط النظام، إلى جانب مبلغ 120 مليون يورو كتعويضاتٍ نتيجة تعرض بعض معدّاتها وتجهيزاتها للنهب إثر خروج الموقع عن سيطرة النظام في عام 2013. فيما تذهب تفسيراتٌ أخرى إلى أن التهديد المتمثل في ضربات التحالف الدوليّ، وخاصّةً مع تصاعد حدّتها واتساع دائرة استهدافها للمنشآت النفطية الواقعة تحت سيطرة داعش، كان عاملاً في دفع هيسكو إلى التهرّب من إكمال الأعمال، بانتظار ما ستسفر عنه هذه الضربات ونتائج الحرب بشكلٍ عامّ.
- تراخي قبضة وزارة نفط النظام وتراجع قدرتها على إلزام هيسكو أو إلزام شركة stroy trans gasالروسية –وهي المقاول الرئيسيّ الذي كلف هيسكو بالأعمال كمقاولٍ ثانويّ- بالتنفيذ وفق برنامجٍ زمنيٍّ مناسب. إذ تتهرّب هيسكو حتى الآن من إكمال العمل بوحدة التحكم الرئيسية وبعض الأعمال المتمّمة لوحدة فصل مكوّنات الغاز بذريعة عدم توافر التجهيزات اللازمة.
المكاسب الحالية لداعش
انخفض حجم المنافع التي يجنيها التنظيم من مشروع توينان إلى حدٍّ كبيرٍ خلال عام. وهي تقتصر اليوم على ما يلي:
المنتج من المتكاثفات الغازية بمعدّل 250 برميلٍ يومياً، يزيد ثمن الواحد منها على 60 دولارٍ أمريكيٍّ. وكذلك يستفيد التنظيم من إمدادات المشتقات النفطية (مازوت وبنزين) التي تنقلها شركة هيسكو إلى موقع المشروع لتشغيل مركباتها وآلاتها هناك، اذ يقاسم التنظيم هيسكو بأكثر من نصف صهاريج المازوت والبنزين (المستورد أو المكرّر في المصافي الحكومية) كلّ أسبوعٍ أو أسبوعين.
في محاولاتها الخاصّة لحلّ مشكلة لوحة التحكم المركزية استدعت داعش أبو عبد الله الباكستانيّ، أحد خبرائها المزعومين من الهيئة العليا في ديوان الركاز، ولكنه فشل في التغلب على المشكلة لعدم توافر ما يكفي من التجهيزات.
- استعمال الآلات والمعدّات الخاصّة بشركة هيسكو في مواقع نفطيةٍ أخرى تحت سيطرة التنظيم.
- المبالغ الشهرية التي تدفعها هيسكو لقاء الحماية المفترضة التي تقدّمها داعش لآلات ومعدّات الشركة.
الكادر البشريّ في الحقل
قلصت الأطراف الثلاثة؛ داعش والشركة السورية للغاز وشركة هيسكو، عدد عناصرها في الحقل الذي يوجد فيه بشكلٍ دائمٍ ثلاثة مسؤولين فقط من داعش هم أبو بكر الأردنيّ أمير الحقل، وأبو يحيى الأردنيّ "شرعي الحقل"، وأبو الحسيب الجزراوي –سعودي الجنسية- أمير حسبة الحقل. بالإضافة إلى عشرات العناصر الذين يعملون في الحراسة. وانخفض عدد موظفي شركة هيسكو إلى أقل من 250، بين مهندسٍ وفنيٍّ وعامل، وانخفض عدد موظفي الشركة السورية للغاز إلى حوالي 200 موظفٍ، والعدد مستمرٌّ في الانخفاض.
ويعود هذا التراجع الحادّ في الأعداد إلى تراجع اهتمام داعش بالمشروع ككلّ بسبب تقلص مكاسبها منه إلى حدٍّ كبير، وكذلك عجز كادرها النفطيّ الخاصّ عن حلّ بعض المشكلات الفنية التي لم تتمكن شركة هيسكو من حلها أو تملصت من ذلك. فيما يفسَّر تراجع عدد موظفي السورية للغاز (النظام) إلى تراجع المكاسب أيضاً، ونزوح عشرات المهندسين، وأضعاف هذا العدد من الفنيين والعمال، إلى تركيا أو هجرتهم غير الشرعية إلى أوربا. عاملٌ آخر لعب دوراً رئيسياً في ترك هؤلاء الموظفين أعمالهم، وهو تنفيذ داعش حكم الإعدام بالمهندس طه العلي، مدير المشروع المكلف من الشركة السورية للغاز.
المهندس طه العلي
في أيار من العام الحاليّ أعدمت داعش المهندس طه، بعد اعتقاله من الموقع أثناء عمله، وسجنه ثم إصدار الحكم عليه بتهمة الاستهزاء بالإسلام والتعامل مع "النظام النصيريّ". وتكشف هذه الحادثة عن حقائق مؤسفةٍ في الطبيعة الإجرامية لسماسرة بشار الأسد وشركائه (النفطيين في هذه الحال). إذ ترجّح شهادة مهندسٍ سابقٍ في مشروع توينان حضر الإعدام، وعلى معرفةٍ كاملةٍ بسير الأعمال الفنية في المشروع والعلاقة المتوترة بين العلي ومدراء هيسكو المتنفذين، أن سبب الإعدام هو رفض الأخير التوقيع على تسلم بعض أعمال الصمّامات التي نفذتها هيسكو، لعدم مطابقتها لدفتر الشروط والمواصفات الفنية، وبالتالي إعاقته استلام الشركة مستحقاتٍ ماليةٍ مفترضةٍ من وزارة نفط النظام مقابل تلك الأعمال، الأمر الذي دفع هيسكو إلى التخلص من العلي بأيّ طريقةٍ كانت، وهو ما حدث بالفعل على يد عناصر داعش الذين استجابوا لرغبة هيسكو، أو بعض مدرائها، ليعتقل العلي وتفتش محادثات هاتفه النقال، وهو السلوك المعتاد لداعش في أيّ اعتقال، ثمّ يسجن ويحكم عليه بالموت عقوبةً على رفضه مسايرة هيسكو والرضوخ لمطالبها.
أعدم المهندس طه العلي في ساحةٍ من ساحات الموقع. ونفذت الحكم مجموعةٌ خاصّةٌ من عناصر داعش رافقته من سجنه في مدينة الرقة. أطلق أحد هؤلاء العناصر طلقتين في رأس العلي، ثم أطلق أمير الحسبة في الحقل، أبو الحسيب، طلقتين أخريين في رأس الرجل المتوفى بالطلقة الأولى.