انفلات تربوي «موجع» في مدارس الساحل

الكاريكاتير لرائد شرف

في بانياس، حيث لا يمكن سوى توقع تكرار الحادثة طالما الكلمة الأولى والأخيرة لسلاح الميليشيات، نُقل المدرس علي عبد الله حسن من المدرسة التي يعمل فيها إلى العناية المشددة بعد تعرضه للضرب الشديد من طالبه، وفي حادثة أخرى شهدتها طرطوس اعتدى طالبان، أحدهما يحمل سلاحاً، على الكادر التدريسي في مدرسة منطقة سرستان في ريف المحافظة، واستخدم المعتديان كرسياً إضافة إلى "طاسة المدفأة" حين ضربوا مدير المدرسة وأحد المدرسين فيها، وشهدت مدرسة واحة الشام الخاصة في اللاذقية حادثة مشابهة أيضاً، أقدمت من خلالها طفلة على ضرب معلمتها مع شتمها بألفاظ بذيئة.

هذه عينة عن حوادث كثيرة من نوعها، حيث يعتبر العام الدراسي الحالي الذي شارف على الانتهاء من أسوأ الأعوام التي مرت على المعلمين في مدن الساحل الخاضعة لسيطرة قوات النظام، بسبب ما شهده من حالات اعتداء من قبل الطلاب على مدرسيهم، إذ سجلت عشرات الحالات التي قام فيها طلاب بالاعتداء بالضرب والإهانة على المدرسين، لأسباب مختلفة منها توجيه نقد لهم أو توبيخ لعدم الالتزام بالملابس المدرسية أو تحضير واجباتهم، في ظل عدم وجود حل رادع يوقف مثل هذه الحوادث التي شجعت الكثير من الطلاب الآخرين على تكرارها.

وفي الأسباب القريبة للحوادث يظهر الطلاب المعتدون كرافضين للخضوع لأي التزام تجاه معلميهم، ففي مدرسة حي المشروع العاشرة في اللاذقية، ضربت طالبة في الصف الثامن مدرستها بعد أن فرضت عليها الالتزام بواجباتها المدرسية، وسط تشجيع من قبل زملائها على ما قامت به، وتطلب الأمر تدخل كادر المدرسة والمدير لإبعادها عن مدرستها التي عانت لاحقاً من وضع نفسي سيء جراء الحادثة التي تكررت في حالات أخرى بدرجات أعلى من العنف.

لكن هناك الكثير من الأسباب الحقيقية التي تدفع الطلاب إلى القيام بمثل هذه الأفعال، وهي ظاهرة تشهدها المدن للمرة الأولى بهذه الكثافة، ويعتبر أبرزها انتشار ظاهرة التشبيح من قبل أبناء المسؤولين ومن يقاتلون في صفوف قوات النظام، معتبرين أنفسهم أكبر من الالتزام بقوانين المدارس، أو تقبل أي شيء يفرض عليهم فيها، كذلك هناك البعض يساندهم أقرباؤهم وأهاليهم على هذه الأمور.

توضح هبة العبد وهي مدرسة في مدينة اللاذقية  لعين المدينة، أن هذه الحوادث انعكست سلباً على واقع المدارس ووضع التعليم، فبات أغلب المدرسين حذرين خصوصاً من هذه النماذج من الطلاب، وتكتفي أي مدرسة بتوجيه بعض الملاحظات لتحسين وضعهم الدراسي دون التكرار أو المتابعة الدائمة في حال لم تجد نتيجة، مشيرة إلى أن هناك عدم مبالاة كبيرة من قبل الطلاب وقلة احترام، لاسيما من "أبناء الضباط وأصحاب الواسطات"، مع غياب تام للاهتمام أو الالتزام من قبلهم بأبسط الأمور كالدوام أو اللباس المدرسي، فضلاً عن دعم وتشجيع أغلب الأهالي لهذه التصرفات وعدم مساعدة الكادر التدريسي لضبط هذا الوضع والحد من الفوضى المنتشرة. 

بالطبع لم تتخذ بحق الطلاب المعتدين أية إجراءات فعالة تمنع تكرار مثل هذه الأمور، من قبل المسؤولين في المدارس أو مديرية التربية، واكتفت بعض المدارس بتوجيه إنذار لطالب أو استدعاء ولي الأمر لآخر لإخبارهم بالحادثة. إلى جانب مطالبة كثير من المدرسين مديرية التربية بإعادة "مادة الفتوة" للمنهاج الدراسي، معتبرين أنها "تشكل الحل لمثل هذه الأمور" ومن شأنها أن تمنع تكرار مثل هذه الاعتداءات على المدرسين، من مبدأ أنها "تقوم بكسر نفسية الطالب وإحداث مساواة بين كافة الطلاب".

يؤكد أبو ياسين أحد سكان الساحل، أن وضع الأطفال الذين يقومون بمثل هذه الأفعال يعكس مدى تأثرهم بالعنف وبواقع الحرب الذي يعيشونه، فضلاً عن أن بعضهم يفضل ترك المدرسة والتوجه لحمل السلاح، فيفتعلون مثل هذه المشاكل من أجل الوصول إلى أهدافهم، موضحاً أن في بعض الحالات يلعب وضع المدرس دوراً في حال عدم تقبله لآراء الأطفال أو فرض السلطة عليهم بشكل كبير. وأضاف أن الأهل لهم دور في ضبط الأطفال وإبعادهم عن جو العنف وعدم إظهار أو حمل السلاح أمامهم، والذي بات منتشراً في أغلب منازل الساحل، منوهاً إلى أن ما يحصل من حوادث أخرى في الحياة العادية من قتل وسرقة ومشاجرات بين الكتائب المسلحة في المدن يراها الأطفال ويتأثرون بها.

الطالب عامر يحيى أحد طلاب الثانوية في مدرسة عدنان المالكي في اللاذقية شرح لعين المدينة؛ أن سوء الوضع الاقتصادي والأمني وانتشار الفوضى في مختلف مؤسسات الحكومة وظواهر الفساد والمحسوبيات.. ظهرت في المدارس، كما أن وجود عشرات الطلاب النازحين من محافظات أخرى وهم من بيئات مختلفة عن مجتمع الساحل، يدفع أحياناً لنزاعهم بينهم مع المدرسين أو زملائهم، لكن أغلب الحالات تأتي من أبناء المدينة. ويرى طالب الثانوية أن لغياب الآباء دوراً كبيراً "فمعظم الطلاب معنا قد فقدوا آباءهم في الحرب، أو أنهم بعيدون عنهم بسبب وجودهم في الميليشيات أو في المعتقلات أو الخارج"، موضحاً أن هناك حالات تمرد كبيرة خصوصاً من الطلاب في الحلقة الثانية، إذ أنهم "يسعون لفرض شخصيتهم وأنفسهم من خلال إهانة المعلمين، الأمر الذي صار يشكل عامل مفخرة بين أغلبهم، والتباهي بالقدرة على الرد على المدرس أو عدم الالتزام بكلامه أو حتى ضربه"