الميادين - سفيان الرحبي
من جسر الشغور في إدلب بدأت قصة النزوح السورية بعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة ,وتنقلت فصولها بين حمص وريف دمشق ودرعا وديرالزور وحلب وباقي المدن والقرى السورية في واحدة من النزوحات الكبرى في العصر الحديث حيث بلغ مجموع من تركوا بيوتهم هرباً من الموت ووفق تقديرات الأمم المتحدة أكثر من أربعة ملايين ونصف إنسان ,بعضهم نزح ألى دول الجوار والأغلبية عجزوا عن ذلك وانتقلوا إلى مناطق أكثر أمناً داخل الأراضي السورية , فمن مدينة ديرالزور وحدها ترك أكثر من 400 ألف من السكان بيوتهم هرباً من الموت المتمثل بطلقات القناصة وقذائف المدفعية وبراميل الطائرات ,نزح هؤلاء في معظمهم الى محافظتي الحسكة والرقة والمناطق الآمنة نسبياً في ريف ديرالزور وبقي من بقي فيها ممن تقطعت بهم السبل ولم يستطيعوا الفرار نتيجة للحصار الخانق المطبق على منافذ المدينة ومنذ اكثر من نصف عام ,كذلك نزح معظم السكان في قرى المريعية والبوعمر والطابية ومدينة موحسن نظراً لقرب المناطق المذكورة لمطار ديرالزور الحربي ووقوعهم بالتالي في مرمى المدفعية مع تركيز القصف والطلعات الجوية على مناطقهم
مدينة الميادين أصبحت واحدة من المدن المضيفة للنازحين بعد تحريرها وبعد أن ذاق أهلها انفسهم عذاب النزوح ومرارته أثناء احتلال المدينة من قبل كتائب الأسد ,
بلغ عدد النازحين إلى مدينة الميادين اكثر من 15 عشر الف نازح حسب تقديرات الهيئات الاغاثية العاملة في المدينة ينزل معظم هؤلاء كضيوف على الأهالي ويقيم البعض الآخر في مدارس ومنشآت عامة, تحاول الهيئات الأغاثية رعايتهم وتقديم الخدمات اللازمة لهم يقول محمد وهو ناشط اغاثي من مدينة الميادين أن عدد العائلات النازحة إلى الميادين يزيد على الألفين جاؤوا من ديرالزور والقرى المجاورة للمطار الحربي التي تطالها قذائف المدفعية ويتركز عليها القصف الجوي ثم نزحوا كمعظم سكان المدينة عنها حين بدأت قوات الاسد مسلسل قصفها اليومي للمدينة ليعودوا بعد التحرير إليها , يقيم قسم كبير منهم في بيوت فتحها الاهالي لهم ودون مقابل مادي في أغلب الاحوال, أو ينزل البعض عند اقاربهم من سكان المدينة, ويقيم قسم آخر في المدارس ,ويضيف بأنه وغيره من الناشطين يبذلون قصارى جهدهم لتامين المواد الغذائية للنازحين وتقديم الخدمات اللازمة لهم
تقيم في احدى مدارس الميادين ومنذ أشهر تسع عوائل في ظروف معيشية صعبة, يلخص عمار وهو أب لست أطفال من قرية البوعمر المجاورة للمطار قصة نزوحه: كنت في البيت أجلس مع العائلة فجاءت المروحية وقصفت المنزل, أصبت بجراح بليغة في أطرافي, مازلت أعالج منها حتى الآن, لم يصب أحد من أطفالي ولله الحمد, لكن المنزل تهدم في أغلب أجزاءه وفي نفس اليوم قصفت الطائرة مرة أخرى وقتل ستة من أقاربي, أقيم في هذه المدرسة منذ أربعة أشهر, كان الله في عوننا فأنا جريح وأولادي مازالوا صغاراً لا يستطيعون مساعدتي بشيء لكن أهل الخير من شبان الاغاثة يساعدوننا بما يستطيعون .
أم عيسى قصة أخرى فلقد تركت منزلها في حي العمال بديرالزور بعد اشتداد القصف على الحي, اعتقل زوجها منذ ثمانية أشهربعد اصابته بطلقة قناص في الفخذ ولا تعرف عنه شيء منذ ذلك الحين, ابنها البكر يقاتل مع كتائب الجيش الحر في ديرالزور وباقي أطفالها الاربعة يقيمون معها في هذه المدرسة, تقول أم عيسى انها تشتري 7 أرغفة من الخبز بمئة ليرة وهذا رقم كبير على نازحة ليس لها أي معيل ,سمعت أم عيسى أن منزلها قد قصف مؤخرا بعد ان دمرت القذائف معظم بيوت الجيران ,تتمنى شيئا واحداً, أن يتوقف القصف لتعود الى بيتها حتى لو كان مدمراً ,تنظر الى السماء تدعو على بشار المجرم الذي اخرجها من بيتها وتدعوا أن ينصر الله الجيش الحر, يعقب أبو محمد وهو بائع خضار سابق أن منزله هو الآخر قد دمر وانه نزح عن بيته في مدينة ديرالزور منذ سبعة اشهر, بحث عن عمل في الميادين ودون نتيجة, يقول بأن الوضع سيئ جداً وبانهم يقتسمون كل ما يقدم اليهم هنا ويضطرون أحيانا الى أكل الخبز اليابس يتدخل أحد شبان الاغاثة الحاضرين بأن الوضع سيء على الجميع بما فيهم أهل المدينة أنفسهم في ظل الوضع الراهن من بطالة واضطرابات وشح في الموارد, يوافق ابو محمد على هذه الملاحظة ويتمنى أن يعود الى بيته باسرع وقت.
تقول أم حسان وهي نازحة أخرى من حي الحميدية أنها تركت بيتها منذ سبعة أشهر بعد أن تتالى سقوط القذائف على الحي وبعد أن سقطت قذيفة على المنزل مما اضطرها الى المغادرة مع عائلتها المؤلفة من ثلاثة عشر فرداً ,بعضهم يدرس في الجامعة وبعضهم متزوج ومستقر في موقع نزوح آخر, تقول بإنها تعذبت كثيرا في التنقل من مكان الى آخر حيث نزحت في بادئ الأمر الى الميادين ثم الى قرية الطيبة بعد قصف الميادين المتكرر أيام الاحتلال الاسدي ثم عادت لتستقر فيها مرة اخرى, تدعو أن يفرج الله عليها وعلى كل من هجر من بيته ثم تلتفت الى مجموعة من الأطفال كانوا يحاولون اشعال الحطب في صفيحة .
في غرفة من داخل المدرسة تكومت أغراض وحاجيات شتى, بعضها مما استطاع النازحون حمله من بيوتهم معهم وبعضها الآخر مما جلبته المنظمات الاغاثية من أدوات مطبخ وأغطية وحصائر, لاتبدو انها تقيهم البرد القارس أو توفر لهم الحد المعقول من الراحة لكنهم وعلى مايبدو في وجوههم صابرون يحاولون أن يقطّعوا يومهم كيفما كان بانتظار يوم ما يستطيعون فيه العودة الى بيوتهم.