المنظومة الدوليّة والأمميّة في مواجهة الحلم السوري

حين خرج الشعب السوري في تحدٍ للنظام القمعيّ المجرم، وفي مواجهةٍ وجوديةٍ مع أجهزته الأمنيّة؛ كان يؤمن بمعايير المجتمع الدولي لحقوق الإنسان ومسؤولية الحماية، واعتمد على ثقته بنزاهة المجتمع الدوليّ ومناصرته للمظلوم، كما فعل في ليبيا وتونس ومصر واليمن، أو على الأقل أن يقف على الحياد ويترك لنا حرية الخيارات في التخلص من "نظامٍ" سرق أحلام الكبار ومستقبل الأطفال، ورفض منظومةٍ أزاحت قوة سوريا العسكرية عن غاية وجودها في حماية الشعب وطوّقت بها المدن والقرى السورية في عملٍ دؤوبٍ لأكثر من أربعين عاماً.

الأمم المتحدة تموّل نظام الأسد

وعندما حاولنا التخلص من المافيا التي حوّلت سوريا الوطن إلى مزرعة إقطاعيةٍ يعمل فيها السوريون رقيقاً، ويديرها رامي مخلوف بسيطرته على أكثر من 60 بالمئة من الاقتصاد السوريّ، ويأكلها "السيد النبيل" بشار الأسد وعائلته وحزبه، الذي حوّل أكثر من مليون موظفٍ حكوميٍّ إلى رهائن لرواتبهم الشهرية، وإلى استماراتٍ انتخابية وكوادر بشريةٍ تملأ الساحات في مسيراتٍ (مؤسّدة)؛ لم نعتقد ولو للحظةٍ أن الأمم المتحدة ستقدم مساعداتها للشعب السوريّ، الذي أشعل ثورته ضد نظام اللصوص، عن طريق مافياته نفسها! وأن تقدم ـ مثلاً ـ لقاح شلل الأطفال للنظام الأسديّ كي يوزّعه على المناطق المحرّرة منه! وأن المساعدات الإنسانية، التي يتبرع بها السوريين وغيرهم من خارج سوريا، تقدمها الأمم المتحدة عن طريق مفوضية اللاجئين إلى أجهزة النظام، وعبر بوابةٍ وحيدةٍ هي الحدود اللبنانية! وأن جميع منظمات الأمم المتحدة لا زالت تتعامل مع النظام السوريّ فقط، واهبةً إياه الشرعية الأمميّة، لتتحول الأمم المتحدة إلى جامع أموالٍ دوليٍّ للمافيا الأسدية.

الخيانة (الأوبامية)

وحين بدأنا الحراك معتمدين على الإنترنت لنشر الحقائق والأهوال التي ترتكبها آلة القتل والإرهاب الأسدية، لم نتوقع أن يتصيدنا النظام باستخدام معدات وبرامج (بلو كوت) الأمريكية، عابراً العقوبات المفروضة عليه منذ سنين.
النظام الذي أغلق الأبواب، وحتى النوافذ، في وجه المبادرات المدنية، من منظماتٍ أو جمعياتٍ أهلية؛ ومنع تجمع أكثر من 3 أشخاص من خلال حالة الطوارئ التي فرضها منذ ما قبل انقلاب حافظ الأسد وتوليه حاكمية سوريا؛ وصادر النقابات الشعبية وألحقها بالفروع المخابراتية التي زرعها في كلّ مفصلٍ من مفاصل الدولة، ونشر أعضاءها في المدن والقرى والحارات وحتى في العوائل؛ واختصر إعلام الدولة السورية في قناةٍ تلفزيونيةٍ واحدةٍ وثلاث صحفٍ حكوميةٍ تدور في فلك العبادة المخلصة له؛ يتلقى اليوم الدعم الماليّ من المنظمات الأمميّة لبناء المجتمع المدني!
لم نكن نعلم أن الولايات المتحدة تخلت حتى عن حربها الباردة وعن تاريخها الطويل في مواجهة روسيا، بل وبدأت تطوّر علاقاتها مع إيران وتعقد الصفقات على حساب الدم السوري. حتى أوباما تفتّحت مواهبه الأدبية وأصبح يرسم بالكلمات ويلوّن بالأحمر.
وما كنا نتصور أنه حتى المالكيّ العراقيّ، الذي هدّد بإقامة دعوى ضد نظام الأسد بسبب إرساله المجموعات الإرهابية إلى العراق وتفجير الأوضاع والطائفية هناك، أسقط دعواه وقيّدها ضد الثورة والشعب السوريّين.

معارضةٌ متواطئة

كنا نعتقد أن روسيا ستبيع الأسد (على أهون سبب)، ولكنها ما زالت تدعمه بلا حدود! والصين، التي تعلّم وزير خارجيتها عدم التدخل فيما لا يعنيه، أصبحت ترفع يدها في مجلس الأمن.
رغم كل ذلك كان لدينا أملٌ بمعارضةٍ مشرّفةٍ مؤهلةٍ ووطنيةٍ سوريّة، ولكنها أثبتت العكس تماماً، وجمعت كلّ مساوئ النظام الأسديّ، بل وزادت عليه في نهب الأموال أو سوء إدارتها على حساب الدم السوري. وتنوعت خطاياها بين تجارة دمٍ وفسادٍ إداريٍّ وقذارةٍ إنسانيةٍ ولامبالاةٍ مشينةٍ وإعلامٍ لا يمتّ بصلةٍ إلى المبادئ الأساسية لصحفيٍّ مبتدئ.
رغم كل هذه الصدمات التي تلقيناها، ورغم الانتصار المؤقت للموت على الحياة في سوريا، ومن فوق جثث العقول المتطرفة والأخطاء الثورية؛ سيعبر الحلم السوري في دولة حرّةٍ وعادلةٍ تحتضن الجميع يوماً ما.