- Home
- Articles
- Radar
المعاقون: معاناةٌ متجذِّرةٌ تزدادُ بؤساً معظم الإعاقات تحيا في كنف أسرٍ لا تجد الكفاف
لم تكن أحوال المعاقين في الطبقة فردوسيّة المعالم، لكنها كانت غائبةً حيناً ومغيّبة أحياناً، لأن الإعلام كان ينأى بنفسه عن تسليط الضوء على واقعهم إلا فيما ندر. وغالباً ما يكون ذلك لرصد حالةٍ إيجابيةٍ، كحالات الإبداع التي قد ينفرد بها بعضهم عمن سواهم من الأسوياء بدنياً. وقد تردّت أوضاعهم إلى الحضيض في الآونة الأخيرة جرّاء ارتفاع الأسعار وشحُّ المواد الغذائية وندرة الأدوية، والتي كان معظمها يأتي مما تجود به الجمعيات الخيرية التي أثقل كاهلها هي الأخرى، بعد أن تحول الجميع ـ إلا ما ندر ـ إلى فقراء ومحتاجين.
جلنا في أحياء المدينة قاطبةً نبحث عمن يرشدنا إلى بيوتهم، برفقة جمعية الصفا والمروة التي تعنى بهم وتوليهم اهتمامها. وكان أول ما لفت انتباهنا أنّ جلّ تلك الحالات تتركز في أحزمة البؤس التي تحيط المدينة، ففي تلك الأحياء، النائية عن الخدمات والحياة، تقبع أشد الحالات قسوةً وقهراً، إذ تغدو الحياة ذاتها عبئاً على من يعيشها ويعايشها، ومعظم أولئك المعاقين يعيشون في كنف أسرٍ لا تجد قوت يومها ولا تحلم إلا بالكفاف.
يقول السيد أبو لؤي، وهو من أعضاء الجمعية: لدينا في الطبقة وريفها أكثر من سبعمئة حالة إعاقة، تتراوح بين إعاقةٍ كاملةٍ وإعاقةٍ جزئية. وهناك زهاء ثلاثمئة حالة شللٍ دماغيٍّ مع فقدان الحسّ والحركة في الأطراف، بمعنى أنّ هؤلاء كتلٌ لحميةٌ تجثم على الأرض دونما حراك مطلقاً، بينها أطفالٌ صغارٌ بعمر الورد، وآخرون مسنّون وهم قلة.
تقول أم فضة: نحن أسرةٌ كبيرةٌ التعداد، لدينا معاقتان في البيت؛ فضة ومريم. زوجي يعمل أعمالاً حرّة، يجد عملاً يوماً ولا يجد عملاً أياماً أخر. وليس لدينا ما يسدّ الرمق لنعيل الأسرة، فكيف والحال بوجود معاقتين؟ ونحن نناشد الجمعيات والجهات تقديم العون، لأن حالنا لا يعلمها إلا الله.
وصلنا بيت جودي بعد أن جلنا في الأحياء الجنوبية. جودي، التي يعرفها معظم أهل الحيّ، تشكل حرقةً في القلب ومعاناةً من نوعٍ آخر. تقول والدتها: ولدت جودي طبيعية، بيد أنها أصيبت بمرضٍ في شهرها الأول، وقيل لنا إن الخطأ الطبيّ هو الذي فاقم حالتها، فوصل الالتهاب إلى نخاع العظم. الآن ترقد جودي وقد فقدت كلّ إحساسٍ بالحياة؛ لا تتحرك، لا تسمع، لا تبصر. كل ما يتحرك من جسمها فمها، وهو الآخر لا يعينها، فعليّ إعداد طعامٍ خاصٍّ لها أقوم بطحنه ثم ألقمها الطعام والماء عبر حقنة. وبعد الطعام عليّ أن أقوم برفعها وتمسيد ظهرها ليمرّ الطعام عبر جهازها الهضمي المتعب.
يقول السيد محمد حاج عمر، رئيس جمعية الصفا والمروة: جمعيتنا تعنى بحال ذوي الاحتياجات الخاصة، ونحاول أن نقدّم لهم ما يتبرع به تجار المدينة. لكن الاحتياج يتفاقم كل يوم، ففي هذه الظروف الصعبة أمست حالهم مأساوية. ونحن لا نملك لهم إلا الكفاف، ونحتاج لمقاعد خاصةٍ وأغذيةٍ وأدوية.
اما صبحة، التي طعنت في السن وأقعدها المرض، فلها حكايةٌ أخرى. وقد تحدثت إلينا بلغةٍ عيية، فنطقها بات صعباً جداً. وهي تصف حالها بأنها أكثر من مزرية، وأن لا أحد يزورها فهي تجلس وحدها في بيتها. وقد أعطت نسخةً من مفتاح بيتها لمن يزورونها وللجيران، لأنها لا تقوى على الحركة مطلقاً.
ولوصال ألمٌ آخر، فهي تعاني شللاً دماغياً، وتنوب أختها بالحديث عنها لتقول: وصال تعاني إعاقةً ولادية. ونحن أسرةٌ كبيرةٌ ووالدنا بعيد عنّا، فقد غادر المدينة منذ بداية الأحداث ولا نعرف عنه شيئاً. أسرتنا تتكون من تسع فتيات، ولدينا هذه الحالة التي تحتاج إلى عنايةٍ خاصة، بدءاً من الدواء والطعام وانتهاءً باحتياجاتٍ أخرى. والحال بات لا يطاق كما ترون، فنحن نؤمن احتياجاتنا الحياتية بصعوبة، فكيف نستطيع تأمين احتياجاتها المتفاقمة.