المصير العاثر لرجال الدين الداغستان في داعش

أبو خالد مبايعاً أبو جهاد الشيشاني

التحق الكثير من رجال الدين المسلمين في روسيا بداعش هرباً من مراقبة وملاحقة الأجهزة الأمنية في بلدهم، معتقدين أنهم سيحققون أحلامهم في بناء دولة الإسلام الحقيقية. لكن الخديعة المغلفة بدعاية إعلامية براقة كانت أكبر منهم ومن أحلامهم...

من هؤلاء رجل الدين الداغستاني محمد أحمدوف (أبو زيد)، المعروف جيداً لدى غالبية السلفيين القوقازيين. درس أبو زيد في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية، ثم عاد إلى بلده، وما لبث أن غادر إلى العراق وانضم إلى داعش. قُتل في شمال العراق في أيلول 2016، وقد علم موقع «العقدة القوقازية» ذلك عن طريق أقرباء القتيل الذين أقاموا له مجلس عزاء في منزله بداغستان. وكذلك صرحت جينس جوانا باراشوك، المحللة البريطانية في مركز أبحاث IHS، أن أبو زيد «قتل في الموصل بطيارة دون طيار»، بعدما أكدت بعض المواقع الإعلامية المحسوبة على داعش مقتله، دون ذكر تفاصيل أخرى.

في حين لم يعرف حتى الآن مصير رجل الدين الداغستاني الآخر نادر ميديتوف (أبو خالد). الأخبار المسربة تقول إن جهاز أمن داعش في العراق اعتقله للاشتباه في تجسسه؛ وهذه تهمة توجه عادة للعناصر غير المطيعة في التنظيم. بينما تقول الحقيقة إنه قد انتقد مراراً وفي العلن ما تقوم به داعش من أعمال وحشية، ما أثار النقمة عليه، ولذلك كثرت الشكوك حول تصفيته من قبل أمنيي السواد.

ولد ميديتوف عام 1984 في محج قلعة (شامل قلعة) عاصمة داغستان، ودرس في المعهد الإسلامي التابع لإدارة مسلمي داغستان، ثم في مصر، ثم في كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بعد انتهاء الدراسة في القاهرة. وعلى الرغم من تأكيد العديد من وسائل الإعلام على أنه أنهى دراسته إلا أنه في الحقيقة لم ينه الجامعة هناك.

بعد عودته إلى مسقط رأسه درّس وخطب في مسجد بالعاصمة محج قلعة، وبعد ذلك في أحد مساجد مدينة دربند. حظي أبو خالد باحترام كبير بين الشباب المحلي. يقول أحد كبار الباحثين في معهد الدراسات الشرقية بالأكاديمية الروسية للعلوم، رسلان قربانوف: «امتدت شعبيته إلى ما هو أبعد من داغستان بسبب محاضراته المرئية والمسموعة على شبكة الإنترنت. شعبيته عالية جداً، وهو واحد من أكثر الدعاة كاريزمية بين الشباب المسلمين الناطقين بالروسية». ويقول الداعية الإسلامي والمحلل السياسي، عبد الله رينات محمدوف، إن أبو خالد «واحد من المحاضرين الأكثر شعبية وانتشاراً في داغستان، ولديه الكثير من الطلاب والأتباع».

في 8 تشرين الأول 2014 ذكر الموقع الرسمي لمجاهدي ولاية داغستان أن أبو خالد اختطف واقتيد إلى جهة مجهولة، ليتضح بعد ذلك أن الشرطة الروسية اعتقلته من أحد شوارع العاصمة الداغستانية، وقامت بتفتيش بيته. وكذلك هاجمت مدير هيئة تحرير موقع Salyaf.ru، الذي كان يعرض خطب أبو خالد، وصادرت جهاز كمبيوتره الشخصي وبطاقات ذاكرة (فلاشات).

بعد يومين من اعتقاله قُدِّم أبو خالد إلى محكمة كيروف في محج قلعة، وطالبت النيابة بسجنه، لكن المحكمة قضت بوضعه تحت الإقامة الجبرية لمدة شهرين. بعد أيام استأنف مكتب المدعي العام في داغستان قرار المحكمة وطالب مجدداً بوضعه في السجن. وحينها لم تكن الإقامة الجبرية عائقاً أمام الداعية لعبور الحدود الروسية والوصول إلى سورية عبر تركيا.

ظهر ميديتوف، في 23 أيار 2015، في شريط فيديو على موقع اليوتيوب، وهو يقسم على الولاء للبغدادي، مرتدياً الزي العسكري المموّه وفي يده بندقية كلاشينكوف، وقد أخذ منه البيعة القائد في داعش أبو جهاد الشيشاني. وفي هذا الشريط حث الداعية المسلمين أينما وجدوا على الالتحاق بـ«الدولة الإسلامية».

آخر فيديو ظهر فيه نادر كان في أيلول 2015، ولم يظهر في حزيران 2016 في الشريط الذي صُوِّر بمناسبة شهر رمضان، عندما ألقى عدد من دعاة داعش الداغستانيين كلمات بهذه المناسبة، بما في ذلك أبو زيد وعباس أبو عائشة. تضاربت الأنباء حول مصير أبو خالد، لكن المحللة باراشوك تؤكد مقتله.

مهما يكن من أمر، فإن مصير الكثيرين ممن انتسبوا إلى داعش محتوم؛ إما الموت على الجبهات، أو بقصف التحالف، أو بالسكاكين الجاهزة دوماً لسفك الدم.