المسالخ في دير الزور

ارتاح أهالي دير الزور لإعادة تنظيم الدولة الإسلامية افتتاح المسالخ، بعد إغلاقها لمدة سنتين سبقتا سيطرته على المدينة، سادت خلالهما فوضى الذبح، في ظل سلطةٍ لا متعينة، حاولت العديد من الجهات ملأها دون جدوى.

كما بجوانب خدميةٍ أخرى قام التنظيم بتسييرها، أعجب الكثير من أهالي دير الزور بإدارته، وتنامت لدى العديدين قناعةٌ حول «الإسلام الصحيح» الذي علمه للناس، رغم اختلافهم معه. ويأتي تفعيل المسالخ والإشراف على عملها، إلى جانب منع استيراد اللحوم المجمدة -خاصة الدجاج- من الخارج، بدعوى أنه لا يذبح على الطريقة الإسلامية؛ كأحد الأمور التي ينظر إلى أنها إيجابيةٌ لدى التنظيم! على أن فحصاً دقيقاً للموضوع يثبت المصلحية وبث الدعاية من ورائه، رغم النية الحسنة التي قد تكون قد حكمت بعض المنتسبين للتنظيم. وكأيّ سلطةٍ استبدادية، يعمل التنظيم بطاقةٍ وضبطٍ تتفوق في جوانب على البنى الأهلية، ولا سيما في مناطق هامشيةٍ أقرب إلى البساطة.

عملت إعادة افتتاح المسالخ في الوعي الأهليّ باتجاهين؛ أولهما دينيّ، إذ إن حرص التنظيم على إجبار اللحامين على الذبح في المسلخ، على يد أحد التابعين له، يوحي بمزيدٍ من التطهر، والاتجاه الثاني صحيّ، ويتابعه، إلى جانب المسلخ، ما يسمى «مكتب الرقابة والتفتيش» الذي أحدثه التنظيم لملاحقة عمليات الغش في الأسواق والأعمال، كما قد تتدخل دوريات الحسبة لذات السبب. لكن الفروج، الذي يستهلك بكمياتٍ مضاعفةٍ عن اللحوم الحمراء، ظل خارج سلطة التنظيم الصحية، والدينية كذلك.

يفيد أحد بائعي الفروج بدير الزور أن التنظيم لا يُخضع ذبحه للرقابة الصارمة التي يخضع لها ذبح الأغنام والأبقار، فذبح الفروج يقوم به الباعة أو أصحاب وعمال المداجن. لكن التنظيم حاول، عن طريق الرقابة والتفتيش، فرض أسعارٍ محددةٍ للفروج، في تناقضٍ مع مبدأ يتبناه في عدم تحديد أسعار السلع للتجار والاكتفاء بفرض بيان السعر للمستهلك. ثم تراجع بعد مدّةٍ حين احتج الباعة بأن الأسعار المفروضة لا تغطي التكلفة، ليحدد بعدها سقفاً للربح لا يتجاوز 50 ليرةً سوريةً على الكيلو الواحد. ويضيف صديق بائع الفروج، الذي عمل في الرقة في المهنة نفسها، أن هناك مسالخ حديثةٌ تخضع لسلطة مكتب الرقابة والتفتيش لدى التنظيم، لكن ذلك يقتصر على زياراتٍ -قد تكون مرةً في الأسبوع- وفي بعض الحالات قامت تلك الدوريات بمصادرة فروجةٍ أو اثنتين لإتلافها.

يرفض أحد اللحامين القول إن التنظيم شغّل المسالخ، ويؤكد أن ما فعله هو توظيف جزارٍ مبايعٍ له فقط، أما المسلخ وعماله فهم الكادر السابق ذاته، من بيطريين وعمال نظافة. ويضيف أنه، في أكثر من مرة، تشاجر مع جزارٍ تونسيٍّ لا يجيد التعامل مع الذبائح، و«يريد أن يعلم الناس شيئاً يعرفونه، بينما لا يجيده هو»، ويختم: «إذا يذبحون البشر بطريقة... لا حول ولا قوة الا بالله».

وبحسب أكثر من لحام، تتلقى المسالخ منهم 100 ليرةٍ عن كل خروفٍ يذبح فيها، و500 عن كل بقرة. ويعمل في المسلخ بيطريان، قد يكونان طبيبين بيطريين أو من خريجي المعاهد المتوسطة، يستقبلان القادمين لذبح مواشيهم، ويفحصانها قبل دخولها إلى باحة المسلخ للذبح، ثم يفحصان لحمها بعد ذبحها وسلخها، وقد يتدخلان في قطع قسمٍ من الذبيحة ورميها، في حال تغير لونها، قبل أن يضعا في النهاية ختم المسلخ عليها. كما يعمل في المسلخ جزار (ذباح بحسب عرف المهنة) عادةً ما يكون مبايعاً للتنظيم أو موالياً له، ينحر الذبائح. وهناك عمال النظافة. ويتردد إلى المسالخ قصابون يعملون بالأجرة، يعرضون على أصحاب الذبائح سلخها وتنظيفها وتقطيعها.

يسمح المسلخ بذبح المواشي المريضة أو المصابة خارجه، بشرط إخطاره، ويتلقى عندها عن الخروف 1500 ليرةٍ وعن البقرة 5000. وتقوم دوريات الرقابة بجولاتٍ في الأسواق، بغرض التفتيش على الذبائح التي لا تحمل الختم. وتتنوع عقوبة الذبح خارج المسلخ بحسب المكان، ففي مدينة دير الزور يغلقون المحل لمدّةٍ محددة، ويسجنون صاحبه، إلى جانب تغريمه بمبلغٍ يتجاوز 50 ألف ليرة، أما في مناطق أخرى فقد صادرت الرقابة الذبائح في مدينة العشارة، وغرّمت أصحابها مبلغ 70 ألفاً، وصلبت -منذ مدّة- أحد اللحامين لثلاثة أيامٍ في السوق.